hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (أحكام الميّت ـ القسم الرابع/الدفن)

تاريخ الاعداد: 4/18/2024 تاريخ النشر: 4/25/2024
2030
التحميل

حيدر حبّ الله 

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(18 ـ 4 ـ 2024م)

 


 

 

الفصل الثامن

في الدفن

تجب كفاية مواراة الميت([1]) في الأرض([2])، بحيث يؤمن على جسده من السباع، وإيذاء رائحته للناس، ولا يكفي وضعه في بناء، أو تابوت، وإن حصل فيه الأمران([3]). ويجب وضعه على الجانب الأيمن موجّهاً وجهه إلى القبلة([4]). وإذا اشتبهت القبلة عُمل بالظنّ على الأحوط([5])، ومع تعذّره يسقط وجوب الاستقبال إن لم يمكن التأخير. وإذا كان الميّت في البحر، ولم يمكن دفنه في البرّ، ولو بالتأخير غسل وحنط وصلّي عليه ووضع في خابية وأحكم رأسها وألقي في البحر، أو ثقل بشدّ حجر أو‌ نحوه برجليه ثم يلقي في البحر، والأحوط وجوباً اختيار الأوّل مع الإمكان([6])، وكذلك الحكم إذا خيف على الميت من نبش العدوّ قبره وتمثيله([7]).

مسألة 317: لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين، وكذا العكس([8]).

مسألة 318: إذا ماتت الحامل الكافرة، ومات في بطنها حملها من مسلم، دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر، مستدبرةً للقبلة، وكذلك الحكم إن كان الجنين لم تلجه الروح([9]).

مسألة 319: لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة، والبالوعة، ولا في المكان المملوك بغير إذن المالك، أو الموقوف لغير الدفن كالمدارس، والمساجد، والحسينيات المتعارفة في زماننا والخانات الموقوفة وإن أذن الوليّ بذلك.

مسألة 320: لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه وصيرورته تراباً([10]). نعم إذا كان القبر منبوشاً، جاز الدفن فيه على الأقوى.

مسألة 321: يستحبّ حفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة، وأن يجعل له لحدٌ مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس وفي الرخوة يشقّ وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميت، ويسقف عليه ثمّ يهال عليه التراب، وأن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة، والذكر عند تناول الميت، وعند وضعه في اللحد، والتحفّي، وحلّ الأزرار وكشف الرأس للمباشرة لذلك، وأن تحل عقد الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يحسر عن وجهه ويجعل خدّه على الأرض ويعمل له وسادة من تراب، وأن يوضع شي‌ء من تربة الحسين (ع) معه وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم السلام، وأن يسدّ اللحد باللبن وأن يخرج المباشر من طرف الرجلين، وأن يهيل الحاضرون التراب بظهور‌ الأكف غير ذي الرحم، وطمّ القبر وتربيعه لا مثلثاً، ولا مخمّساً، ولا غير ذلك، ورشّ الماء عليه دوراً يستقبل القبلة، ويبتدأ من عند الرأس فإن فضل شي‌ء صبّ على وسطه، ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرش، ولا سيما إذا كان الميت هاشميّاً، أو الحاضر لم يحضر الصلاة عليه، والترحّم عليه بمثل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليّين، وألحقه بالصالحين، وأن يلقّنه الولي بعد انصراف الناس رافعاً صوته، وأن يكتب اسم الميت على القبر، أو على لوح، أو حجر ويُنصب على القبر([11]).

مسألة 322: يكره دفن ميّتين في قبر واحد، ونزول الأب في قبر ولده، وغير المحرم في قبر المرأة، وإهالة الرحم التراب، وفرش القبر بالساج من غير حاجة، وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه والمشي عليه والجلوس والاتكاء. وكذا البناء عليه وتجديده إلا أن يكون الميّت من أهل الشرف([12]).

مسألة 323: يكره نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر([13])، إلا المشاهد المشرّفة، والمواضع المحترمة، فإنه يستحبّ، ولا سيما الغري والحائر. وفي بعض الروايات أنّ من خواصّ الأوّل، إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير([14]).

مسألة 324: لا فرق في جواز النقل بين ما قبل الدفن وما بعده إذا اتفق تحقّق النبش، بل لا يبعد جواز النبش لذلك إذا كان بإذن الولي ولم يلزم هتك حرمة الميت([15]).

مسألة 325: يحرم نبش قبر المؤمن على نحو يظهر جسده، إلا مع العلم باندراسه، وصيرورته تراباً، من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون([16])، ويستثنى من ذلك موارد:‌

منها: ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل إلى المشاهد، كما تقدّم، أو لكونه مدفوناً في موضعٍ يوجب مهانةً عليه كمزبلة، أو بالوعة أو نحوهما، أو في موضع يتخوّف فيه على بدنه من سيل، أو سبع، أو عدوّ.

ومنها: ما لو عارضه أمرٌ راجح أهمّ، كما إذا توقّف دفع مفسدة على رؤية جسده.

ومنها: ما لو لزم من ترك نبشه ضرر مالي، كما إذا دفن معه مال غيره، من خاتم ونحوه، فينبش لدفع ذلك الضرر المالي، ومثل ذلك ما إذا دفن في ملك الغير من دون إذنه أو إجازته.

ومنها: ما إذا دفن بلا غسل، أو بلا تكفين أو تبيّن بطلان غسله، أو بطلان تكفينه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعي، لوضعه في القبر على غير القبلة، أو في مكان أوصى بالدفن في غيره، أو نحو ذلك فيجوز نبشه في هذه الموارد إذا لم يلزم هتك لحرمته، وإلا ففيه إشكال([17]).

مسألة 326: لا يجوز التوديع المتعارف عند بعض الشيعة (أيدهم الله تعالى) بوضع الميت في موضع والبناء عليه، ثم نقله إلى المشاهد الشريفة، بل اللازم أن يدفن بمواراته في الأرض مستقبلاً بوجهه القبلة على الوجه الشرعي، ثمّ ينقل بعد ذلك بإذن الولي على نحو لا يؤدّي إلى هتك حرمته([18]).

مسألة 327: إذا وضع الميت في سرداب، جاز فتح بابه وإنزال ميت آخر فيه، إذا لم يظهر جسد الأوّل، إمّا للبناء عليه، أو لوضعه في لحد داخل السرداب، وأما إذا كان بنحو يظهر جسده ففي جوازه إشكال([19]).

مسألة 328: إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيحاً وجب، وإلا جاز تقطيعه، ويتحرّى الأرفق فالأرفق. وإن ماتت هي دونه، شقّ بطنها من الجانب الأيسر إن احتُمل دخله في حياته، وإلا فمن أيّ جانبٍ كان وأخرج، ثمّ يخاط بطنها، وتُدفن([20]).

مسألة 329: إذا وجد بعض الميت، وفيه الصدر، غسل وحنّط وكفّن وصُلّي عليه ودفن، وكذا إذا كان الصدر وحده، أو بعضه على الأحوط وجوباً، وفي الأخيرين يقتصر في التكفين على القميص والإزار وفي الأوّل يضاف إليهما المئزر إن وجد له محل، وإن وجد غير عظم الصدر، مجرّداً كان أو مشتملاً عليه اللحم، غسّل وحنّط ولفّ بخرقة ودفن على الأحوط وجوباً ولم يصلّ عليه، وإن لم يكن فيه عظم لفّ بخرقة ودفن على الأحوط وجوباً([21]).

مسألة 330: السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسّل وحنّط وكفّن ولم يصلّ عليه، وإذا كان لدون ذلك لفّ بخرقة([22]) ودفن على الأحوط وجوباً، لكن لو ولجته الروح حينئذ فالأحوط إن لم يكن أقوى جريان حكم الأربعة أشهر عليه([23]).

_____________________________

([1]) فلا يصحّ إحراقه وإفناؤه وما شابه ذلك على الأحوط وجوباً؛ وذلك أنّ الوارد في النصوص هو الأمر بالدفن، واحتماليّة مركوزيّة الأعمّ من الدفن والإفناء عبر مثل الإحراق أقلُّ بكثير جداً من احتمال مركوزيّة تعيّن الدفن، أضف إلى ذلك أنّ بناء النصوص على الدفن مع أنّ الإحراق كان ممكناً، وكذلك الرمي في الماء كالأنهار مع وضع ما يُثقل البدن، بل لما دخل الإسلام بلاد خراسان كانت مليئة بمعابد البوذيّين، وكان فيها المئات من الرهبان البوذيّين، كما كانت الهندوسيّة منتشرة أيضاً في بلاد الشرق، ولم يكن الإحراق أو الإفناء أمراً غير معروف للمسلمين في تلك الفترة، فهذه الديانات تحرق الجثث، بل بعض البوذيّين يقدّمون الجثث للنسور والحيوانات الطائرة الجارحة إلى اليوم.. ولا يرون فيه حرجاً، بل هو تكريم. ومع ذلك غيّر الإسلام طريقة التعامل مع جثث الموتى لما دخل البلدان المختلفة، ومنها خراسان الكبرى، من هنا يصعب جداً الوثوق بمشروعيّة غير الدفن، فالتركيب بين النصوص الدالّة على الدفن مع بُعد احتمال مركوزيّة الأعمّ منه ومن غيره، مع تغيير طرائق التعامل مع جثث الموتى في البلدان التي دخلها الإسلام.. ذلك كلّه يقوّي احتمال خصوصيّة الدفن الذي يحافظ بطبيعته على الجثّة.

([2]) المعروف بين فقهاء المسلمين وجوب دفن الميّت، بمعنى مواراته وستره في باطن الأرض عندهم، فلو وضع الميّت في بناءٍ مُحكم فوق الأرض، بحيث يُعلم أنّه لن ينكشف ولا يراه أحد ولن تصل إليه السباع ولن تُشمّ رائحته لم يكفِ. وقد اعتبر بعضهم هذا الأمر من الإجماعيّات، بل من الضروريّات. بل صرّح بعضهم بأنّه لو كنّا في القطب المتجمّد الشمالي مثلاً، ثمّ دفنّا شخصاً في الجليد بعمق عشرات الأمتار، بحيث نعلم أنّه لن يُمكن رؤيته، ولا تخرج رائحته ولن تصله الحيوانات ولا غير ذلك مطلقاً، والجليد لن يذوب في هذه المناطق لآلاف السنين القادمة، فلا يجوز؛ لأنّه ليس دفناً تحت الأرض.

لكنّ الأقرب هو أنّ المطلوب دفن الميّت، وهو يعني ستر جسده وإخفاءه، بحيث لا يراه أحد ولا يشمّ ريحه أحد ويكون مأموناً من الانكشاف والهتك، بحيث يكون احتمال انكشافه أو هتكه في فترة ما قبل اندراس الجسد تماماً هو احتمالٌ لا قيمة له عقلائيّاً. فلو وضعت غُرف فوق الأرض ـ كما يفعله بعض المسيحيّين ـ بحيث تتحقّق فيها هذه المعايير كان كافياً في تحقّق الدفن شرعاً، وإن كان الاحتياط حسناً هنا إذا لم يزاحمه شيءٌ آخر. وما نقوله يجري حتى مع عدم الضرورة، مثل تأثر الأرض بالماء، كما هي الحال في طرفَي نهر النيل، والذي بسببه شاع بين المصريّين الدفن في "الفَساقي".

وبمقدار تتبّعي لم أجد فقيهاً من الشيعة والسنّة، وافق على إجراء زحزحة في الحكم المشهور هنا، وهو الدفن في باطن الأرض، عدا ما يلوح من كلماتٍ قليلة للغاية هنا وهناك، مثل السيّد محمّد الروحاني، حيث قال بأنّه لا يجوز وضع الميّت في بناء على الأحوط وجوباً ما دام الدفن في باطن الأرض ممكناً. وهذا الاحتياط منه ربما يشي أو يُلمح إلى وجود ثغرة معيّنة عنده في القضيّة. كما صرّح الشيخ محمّد الصادقي الطهراني في رسالته العمليّة بعدم اشتراط كون الدفن في باطن الأرض.

وأدلّتهم هنا تارةً بأنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. وأخرى بأنّ هذه الطريقة جرت عليها سنّة النبيّ وأهل بيته وصحابته. وثالثة بأنّ مفهوم الدفن لغةً وعرفاً لا يصدق إلا على المواراة في باطن الأرض. ورابعة بأنّ هذا مقتضى السيرة المتشرّعيّة والإسلاميّة. وخامسة بأنّنا منهيّون عن البناء فوق القبور وهذا منه. وسادسة بأنّ بناء الأحكام والمستحبات والمكروهات على الدفن في الأرض، يُعلم ذلك من مراجعتها. وسابعة بأنّ المفهوم من مجموعة آيات قرآنيّة أنّ الدفن في الأرض (المائدة: 31؛ والمرسلات: 25 ـ 26؛ وعبس: 21). وثامنة الإجماع والضرورة، وغير ذلك من الأدلّة التي ذكرها الشيعة تارةً والسنّة أخرى.

وهذه الأدلّة كلّها قابلة للنقاش، والمجال لا يتسع هنا لذلك، لكنّ اللغة العربيّة تؤكّد لنا أنّ الدفن هو الستر والخفاء وعدم الظهور، ومنه: الداء الدفين، أي الغامض غير الظاهر، ويقال: التدافن بمعنى التكاتم، وأصل الكلمة هو الاستخفاء والغموض والستر والمواراة، على ما صرّح بذلك اللغويّون، وبهذا لا خصوصيّة للأرض إطلاقاً في الدلالة اللغويّة، بل لو سلّمنا فإنّ النصوص استخدمت هذه التعابير انطلاقاً من كون هذه هي طرق المواراة المتعارفة آنذاك، ولم ترَ ضرورةً في تغيير طرق الدفن هذه، فالشريعة لا تلعب دور التأسيس هنا، بل الدفن هذا قائم قبل ورود الشرع، فتعاملها معه لا يدلّ على حصر الدفن به، وبخاصّة أنّ الدفن تحت الأرض هو الطريق الأكثر أمناً آنذاك وتحقيقاً للمطلوب، تماماً كما جاءت الشريعة ورأت وسائل النقل في بلاد العرب والمسلمين ليس منها الفيل، فهذا لا يعني المنع عن جعل وسيلة النقل الفيل بحجّة أنّ بناء النصوص والسيرة على ذلك! ومناسبات الحكم والموضوع جليّةٌ هنا للذهن العرفي غير القَلِق، وعليه فلا موجب لإجراء قاعدة الشغل اليقيني أو توظيف تعبير «الدفن». وتعارفُ هذه الطريقة ـ الدفن في الأرض ـ لا يوجب تعيّنها، بل الشريعة لم تتدخّل فيها، وربما لكونها أحد أبرز وأفضل أشكال الواجب المطلوب، فجرت ألسنة النصوص على ما تعارف بين الناس آنذاك. ومثلُه غيرُ عزيزٍ في الكتاب والسنّة، فلا معيِّن للانصراف هنا. وبناء المندوبات والمكروهات على ذلك غاية ما يفيد ـ لو أفاد ـ الاستحباب، لا غير. والنصوص القرآنية أجنبيّة إنصافاً عن الموضوع. والإجماع واضح الحال، بل بعض النصوص الحديثيّة التعليلية واضحة في أنّ العبرة بتحقّق ستر الجسد وحمايته من انتشار الرائحة والهتك والحيوانات، وأنّ فكرة الدفن لها بُعدان: حقّ الناس بأن لا يتأذّوا من رائحة الميّت أو من رؤيته، وحقّ الميت بأن لا يُهتك بتعرّض الحيوانات له أو شمّ رائحته أو رؤية الناس له أو شماتة الأعداء به أو نحو ذلك. والكلام فيه بسطٌ لا يسعه هذا المختصر.

([3]) قد قلنا آنفاً بأنّه يكفي.

([4]) المشهور بين فقهاء الإماميّة ـ بل ادُّعي عليه الإجماع ـ أنّه يجب وضع الميّت في قبره بحيث يكون مضطجعاً على يمينه موجَّهاً وجهُه إلى القبلة. وقد خالف في هذه المسألة ابن حمزة الطوسي، حيث قال باستحبابهما معاً (إضجاع الميت على يمينه وتوجيهه إلى القبلة)، وذهب ابن سعيد الحلّي إلى القول بوجوب توجيه الميّت نحو القبلة، لكنّ إضجاعه على يمينه مستحبّ عنده. أمّا الفقه السنّي فلم يوجب مشهورُه إضجاع الميت على يمينه، لكن ذهب الكثير منهم ـ غير جمهور من المالكية وجماعة من الأحناف وغيرهم ـ إلى وجوب توجيهه نحو القبلة، فيما اعتبرت المالكية ذلك مندوباً.

والأقرب أنّه لا يجب وضع الميّت في القبر على يمينه ولا توجيهه للقبلة، وإنّما التوجيه للقبلة مقتضى الاحتياط الاستحبابي، ولو دفن الميّت دون توجيهه للقبلة ـ عمداً أو سهواً أو جهلاً ـ لم يجب النبش، بل يحرم إذا لزم منه الهتك والإهانة.

وعمدة أدلّتهم هنا ـ مضافاً إلى الإجماع المعلوم المدركيّة ـ:

أ ـ السيرةُ المستمرّة بين المسلمين عبر العصور. لكنّها تنسجم مع الاستحباب المؤكّد، ويؤيّد ذلك أنّ الشعوب المسلمة التي تتبع مذاهب فقهيّة لا ترى وجوب التوجيه نحو القبلة ما زالت تمارس إلى اليوم ـ كغيرها ـ هذه العادة وتلتزم بها، وهذا شاهد على أنّ المستحبّ المؤكّد في مثل هذه القضايا يمكن أن يصبح طريقة قائمة متعارفة لا يحيد الناس عنها.

ب ـ بعض الروايات. وهي بين ضعيف إسناداً (وهذا هو غالبها؛ إذ الضعيف سنداً هنا حوالي تسع روايات)، وضعيف دلالةً (وفي تقديري لا يدلّ على الوجوب هنا عدا رواية أو روايتين ضعيفتان إسناداً)، فمعتبرة معاوية بن عمّار لا تفيد الوجوب؛ إذ أقصاها صيرورة هذا الأمر مسنوناً يعمل به المسلمون، وهذا قد يكون بنحو الاستحباب المؤكّد جدّاً، إذ الاستحباب المؤكّد مع الجري العملي بين المسلمين عليه يحقّق مفهوم "الطريقة" أو "الطريقة الثابتة". وهذا بنفسه يكفي لفهم الروايات الدالّة على وجود طريقة مقرّرة في وضع الميّت في القبر دون أن توضح هذه الطريقة، مثل رواية يعقوب بن يقطين. ويضاف إلى ذلك أنّ رواية معاوية بن عمّار ـ بنقل المحمّدين الثلاثة جميعاً ـ دلّت على إيصاء البَرَاء بن مَعْرُور الأنصاري بثلث ماله، ومن المحتمل عود تعبير "جريان السنّة" إلى موضوع الوصيّة بالثلث؛ إذ هو الأقرب، لا إليه وإلى ما قبله من كيفيّة الدفن، وإن كان في بعض الروايات التاريخيّة أنّ النبي ردّ وصيته بثلث ماله. والرواية بعينها وإن وردت بصيغة: «.. فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله‘ إلى القبلة، فجرت به السنّة، وأنّه أوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنّة».. غير أنّ تردّدها بين الصيغتين والنقلَين ـ لو سلّمنا أن تعبير "جرت به السنّة" دالٌّ على الوجوب ـ يكفي للشكّ في عود هذا التعبير إلى كيفيّة الدفن، علماً أنّ هذا التعبير الثاني لم ينقله سوى الكليني في موضعٍ آخر من "الكافي". وبعض الروايات ذكرت هذا الحكم الى جانب مجموعة من المستحبّات، بل وأحياناً بصيغة الفعل لا الأمر كما في وقائع دفن النبيّ.. فلا ينعقد ظهور في الوجوب، على ما هو التحقيق أصوليّاً في مثل هذه الحال، ما لم تقم قرينة إضافيّة. بل لعلّ جريان السنّة على ذلك نتيجة ما قام به البراء بن معرور، يُشعِر وكأنّ القضية ليست تشريعاً دينيّاً، وإنّما هو أمرٌ تمّ استحسانه من قبل المسلمين، فجروا عليه، فتأمّل.

وأحتمل ـ والعلم عند الله ـ أنّ البراء بن معرور، وهو أنصاري مدني، خطر في باله موضوع توجيهه إلى جهة النبيّ (حيث كان النبيّ ما يزال في مكّة، إذ المعروف أنّه وصل إلى المدينة بُعيد وفاة البراء بن معرور)، ربما مما يعرفه عن اليهود في المدينة، حيث يرون توجيه الميّت في القبر إلى ناحية القبلة (بيت المقدس) بوضعه على ظهره وجعل باطن قدميه إلى ناحية بيت المقدس، حتى إذا بُعث من قبره وقف ومشى فوراً نحو القبلة. ويعرف عن البراء بن معرور أنّه كان ـ قبل الجميع ـ من المتحمّسين لجعل الكعبة قبلةً، فراجع.

ج ـ هذا، واستدلّ أهل السنّة بأدلّة هنا يرجع غالبها لوجوهٍ اعتباريّة أو لأقيسة لا تبدو مقنعة إطلاقاً، من نوع استحباب التوجّه للقبلة للنائم، فيُقاس الميّت عليه؛ إذ هو نائم، وغير ذلك. وأمّا حديث تعداد الكبائر والذي ورد فيه: «..وإلحادٌ بالبيت الحرام، قبلتكم أحياءً وأمواتاً»، والذي رواه أبو داود في سننه، فهو لا يفيد الوجوب هنا، بل يكفي الاستحباب المؤكّد لتبرير هذا التوصيف النبوي، وبخاصّة أنّ النبيّ هنا ليس في مقام بيان أحكام الدفن.

([5]) وجوباً.

([6]) الأقرب أنّ هذه الطريقة (الوضع في الخابية) التي وردت في رواية أيّوب بن الحرّ ليست تعبديّةً، بل هي مصداق للمعيار العام، فالعبرة بتحقيق معنى الدفن الذي قلنا سابقاً بأنّه لا يشترط فيه أن يكون تحت الأرض، وعليه فاللازم ـ على مقتضى القاعدة ـ هو وضعه في شيءٍ ما بحيث يؤمن أن لا تتعرّض له سباع البحر وحيتانه، وأمّا رواية شدّ رجليه بالحجر ـ دون وضعه بما يحمي جسده من تعرّض الحيوانات ـ فهي آحاديّة ضعيفة الإسناد بوهب بن وهب. نعم مع تعذّر حفظ جسده في صندوق أو خابية جاز رميه بدون ذلك بما يحقّق أقرب معنى للمقصد من الدفن.

([7]) الرواية الخاصّة هنا آحادية وضعيفة الإسناد، وهي تؤيّد مقتضى القاعدة، لهذا فالأقرب الرجوع لمقتضى القاعدة والمقصد، فإذا صدق أنّ دفنه في هذا المكان أو ذاك هو نوعٌ من تعريضه للهتك بسبب وجود من سينبش قبره ويهتك حرمته، فلا يجوز الدفن، بل هو ـ بمناسبات الحكم والموضوع ـ مصداقٌ للتهاون في تحقيق مقصد الدفن ولا يجوز، فيلزم مراعاة أيّ طريقة لتحقيق ذلك، فإذا انحصر ذلك بالرمي في الماء لزم.

([8]) تكاد كلمات الفقهاء المسلمين ـ السنّة والشيعة ـ الذين تعرّضوا لهذا الموضوع تُطبق على عدم جواز دفن المسلم والمسلمة في مقابر غير المسلمين، وكذلك عدم جواز دفن غير المسلم في مقابر المسلمين، حتى أنّهم حكموا بلزوم نبش قبر غير المسلم لو دُفن في مقابر المسلمين. وكثير منهم حكموا بلزوم نبش قبر المسلم لو دفن في مقابر غير المسلمين، وبعضهم قيّد الحكمَ الأخير بحال ما إذا لم يلزم من نبش قبر المسلم الهتك لحرمته. وقلّما نجد هذه المسألة في كلمات المتقدّمين من علماء الإماميّة، بل هناك من ادّعى أنّها أوّل ما ظهرت مع العلامة الحلّي، وأنّه قد تكون هناك إشارات طفيفة لها قبل ذلك. ولم أجد أحداً خالف صراحةً إطلاقَ هذا الرأي المشهور عدا قلّة قليلة جدّاً، منهم الشيخ محمّد إسحاق الفياض. كما لاحظت أنّ الفيروزآبادي والسيد الخوانساري احتاطا وجوباً في هذا الموضوع في تعليقتهما على العروة الوثقى، ومثلهما الشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ بيات الزنجاني. ويظهر من بعض فتاوى واستفتاءات السيّد السيستاني والسيد صادق الشيرازي أنّه لو خُصّص قسم من مقبرة الكفّار للمسلمين جاز الدفن.

واللافت في هذا الموضوع أنّه لا توجد آية قرآنية ولا أيّ حديث ولو ضعيف السند يتحدّث عن هذا الأمر بشكل مباشر، حتى أنّ الشيخ الحرّ العاملي في كتاب (تفصيل وسائل الشيعة) لم يفرد باباً بهذا العنوان أساساً؛ لعدم وجود روايات في ذلك، ومع ذلك اتفقوا ـ إماميّاً ـ منذ عصر العلامة الحلي على التحريم كما بينّا. ورواج هذا الحكم عند أهل السنّة أقوى وأقدم. وهذا كلّه لا يعني أنّ الفقهاء لم تكن لديهم أدلّتهم، بل هم أسّسوا الحكمَ غالباً على بعض القواعد التي قاموا بتنزيلها على هذه الحالة.

وأهم الأدلّة التي ذكروها هنا هو:

الدليل الأوّل: ما ذكره غير واحد من فقهاء الشيعة والسنّة من التمسّك بالإجماع، ومن الواضح أنّ الإجماع هنا يصعب الاستناد إليه؛ إذ يحتمل جدّاً أن يكون مستندهم في ذلك هو ما سيأتي من الأدلّة الأخرى، على أنّ تحصيل الإجماع عند القدماء ـ قبل العلامة الحلّي ـ في هذه المسألة قد يكون صعباً عند الإماميّة على الأقلّ. وهكذا الحال في الاستدلال بعمل المسلمين وسيرة المتشرّعة منذ عصر النبي، حيث وجدناه في بعض كلمات علماء الشيعة والسنّة هنا، فلو سلّمنا أنّ سيرتهم قائمة على تمييز المقابر وتثبّتنا من ذلك تاريخيّاً ـ واستشهد بعض علماء أهل السنّة لإثبات هذا الواقع التاريخي برواية عن النبي في مروره على مقابر المسلمين ثم غيرهم ممّا يعني تعدّد المقابر ـ فهذا لا يعني التحريم، بل قد يعني الاستحباب أو الأفضليّة أو ضرباً من تنظيم الدفن بين الديانات بحسب الأعراف القديمة التي لا تعدّ ناقضةً لغرض الشريعة، وقد كانت الأعراف وما تزال تميّز في ذلك حتى بين القبائل والعشائر والأسر، ولا سيّما المعروفة منها والمرموقة، وجريان العرف المتشرّعي بقوّة على التمييز بين المقابر يمكن أن يجامع الأفضليّة أو الاستحباب، تماماً مثل الأذان والإقامة والقنوت رغم اشتهار استحبابها، ومثل كثيرٍ من العادات الدينية المستحبّة الراسخة في الممارسات رسوخاً أقوى من رسوخ الواجبات في العُرف الاجتماعي العام، فالجري المتشرّعي لا ينفع، ولا يكشف عن وجود ارتكاز إلزامي في الموضوع بعنوانه.

الدليل الثاني: ما ذكره كثيرون ـ كالسيد الخوئي وغيره ـ من أنّ دفن المسلم في مقابر غير المسلمين هتكٌ وتوهين له، وحرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً؛ كما أنّ دفن غير المسلم في مقابر المسلمين توهينٌ أيضاً وإساءة للمسلمين.

وهذا الدليل غير واضح؛ فلنفرض أنّه في بعض الصور يتحقّق الهتك، لكنّ ذلك لا يتحقّق في جميع الصور والحالات، وهذا أمرٌ عرفي يختلف من موضعٍ وبلد وثقافة إلى موضع آخر وبلد آخر وزمن آخر وثقافة أخرى، وقد أسقط الفقهاء قراءتهم للموضوع على المسألة التي نحن فيها، مع أنّها مسألة متغيّرة عرفاً بملاحظة الأعراف والأزمنة والظروف، بل قد تكون بعض الظروف الاجتماعية والسياسية سبباً في اعتبار هذا الدفن خطوةً متقدّمة في العلاقات الطيبة بين الأديان في بلدٍ ما، فيحسّن العرفُ هذه الخطوة ويراها أمراً جميلاً ومعبّراً ولا يشعر بأيّ إهانة فيها للميّت، وذلك بسبب الظرف السياسي والاجتماعي الطارئ، فكيف عرفنا أنّه في جميع الأزمنة والأمكنة والأعراف والثقافات إلى يوم الدين يكون دفن المسلم في أيّ مقبرة غير إسلامية هتكاً له؟! والأبعد من ذلك جعل دفن غير المسلم في مقابر المسلمين هتكاً للمسلمين، فهل يرى العرف ذلك بعيداً عن هذه الفتوى نفسها وعن تأثيرها على الوعي الاجتماعي؟! نعم دفن غير المسلم في مقابر المسلمين أو العكس قد يقول شخص بأنّه تشريف لغير المسلم، وهذا ـ لو صحّ ـ لا ينفع هنا؛ إذ التشريف بهذا الحدّ لا يُعلم حرمته أساساً، وكلامنا في الهتك لا في التشريف، كما أنّه قد يقال بأنّ دفن المسلم في مقابر المسلمين دون غيرهم احترامٌ له وتعظيم وعملٌ لائق بشأنه، وهذا ـ لو تمّ على إطلاقه ـ لا يُعلم وجوبه على وليّ الميّت؛ فهل يجب عليه فعل كلّ ما يليق بالميت مطلقاً وما يكون أفضل له وأحسن؟! إذن فيجب عليه أن لا يدفنه وسط قبور المسلمين الفاسقين أيضاً! بل قد يقول السنّي أيضاً بأنّ الدفن في مقابر الشيعة هو توهين للميت السنّي مطلقاً، وكذلك يقول الشيعي بأنّ الدفن في مقابر السنّة توهين للميّت الشيعي مطلقاً.. كما أنّ القول بأنّ تمييز مقابر المسلمين عن غيرهم أفضل على المستوى الاجتماعي أو أسدّ للذرائع أو غير ذلك، لا ينفع في إصدار حكم عام، بل تُتّبع فيه الظروف الموضوعية المتحرّكة التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأوضاع. وأمّا القول بأنّ المؤمن له حرمة ميتاً كحرمته حيّاً، فهذا صحيح، لكنّ النقاش في المصداق والصغرى، على أنّه هل يحرم على المسلم أن يجلس بين مجموعة من غير المسلمين أو ينام معهم في غرفةٍ واحدة؟! وهل في ذلك هتك لحرمته حيّاً؟! بل هل يمكن القول بأنّ دفن العاصي أو الفاسق في البقيع أو حرم الإمام علي أو الحسين أو غيرهما من الأئمّة عليهم السلام يوجب الهتك للإمام نفسه بجعله وسط أناس قد يكونون عصاةً مثلاً؟! إنّني أعتقد أنّه قد تمّ إسقاط الأمر بطريقة غير مستوعبة للتحوّلات العرفية، وقيست الأمور على الأعراف المحليّة والزمنيّة، وكان يفترض التقييد من البداية ـ حيث لا نصّ ـ بحالة ما إذا استلزم الهتك وترك المصداق للعرف. ولعلّه لما قلناه لم يقبل بهذا الدليل ـ استلزام الهتك ـ على إطلاقه بعض من قَبِلَ بأصل الحكم نتيجة الإجماع، مثل السيد تقي القمّي في "مباني منهاج الصالحين". كما ومن غير الواضح الحكم بوجوب نبش قبر المسلم المدفون لسببٍ أو لآخر في مقابر غير المسلمين؛ فإنّ النبش قد يكون هتكاً عظيماً للميّت أحياناً، أوضح من الهتك في نفس بقاء قبره بين قبور غير المسلمين في بعض الحالات على الأقلّ.

الدليل الثالث: ما ذكره بعض الفقهاء من الشيعة والسنّة، من أنّ المسلم يتأذّى بعذاب الكافر، فلو وضع في مقابر غير المسلمين لتأذّى بعذابهم، وكذا لو وُضع بجانبه كافرٌ في مقبرة المسلمين فإنّه يوجب أذيّته.

وقد استغرب بعض الفقهاء المتأخّرين ـ مثل الشيخ الاشتهاردي ـ من هذا الدليل، والحقُّ معه؛ فلا يوجد دليل على هذا التأذّي، بل كيف يعذّب المسلم بعذاب غيره مع أنّ الله تعالى يقول: (ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) (الأنعام: 164)؟ وهل عالم القبر والبرزخ على صلة بتقارب القبرين الماديين في عالم الدنيا؟ وهل هناك شيء يُثبت ذلك؟! بل على هذا المعيار لو جعلنا مقبرتين للمسلمين وغيرهم وفصلناهما بجدار ـ كما يحصل في بعض المدن والقرى ـ فيلزم حرمة دفن المسلم قريباً من الجدار الذي دفن وراءه غير المسلم؛ لئلا يتأذّى بعذابه رغم أنّهما في مقبرتين منفصلتين! واللطيف أنّ الشيخ الاشتهاردي في "مدارك العروة" اعتبر أنّ كربلاء كانت مقبرة قتلى جيش عمر بن سعد عندما تمّ دفن الأجساد الطاهرة فيها بعد الواقعة، فهل يحصل التأذّي أو الهتك من خلال ذلك؟! وإن كان في كلامه هذا بعض النقاش لسنا بحاجة إليه الآن.

الدليل الرابع: الاستناد إلى رواية يونس في المرأة غير المسلمة الحامل بجنين مسلم، فقد روى يونس، قال: سألت الرضا× عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانيّة فيواقعها، فتحمل، ثم يدعوها إلى أن تُسلم، فتأبى عليه، فدنى ولادتها، فماتت وهي تطلق، والولد في بطنها، ومات الولد أيُدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب: «يُدفن معها» (تهذيب الأحكام 1: 334 ـ 335)، وقد فهم منها بعضهم أنّ المراد دفنها في مقابر غير المسلمين، وأنّ هذا حكمٌ استثنائي من حرمة دفن المسلم (الجنين) في مقابر غير المسلمين.

لكنّ الإنصاف أنّ هذه الرواية لا علاقة لها بموضوع البحث؛ فهي إنّما تحكي عن دفنه معها وهي على النصرانية (أو وتجري عليها طرق النصرانية في التعامل مع الميت ويسلّم بين أيديهم)، أو يخرج من بطنها ليتعامل معه على طريقة المسلمين لا طريقة النصارى، فمدار الكلام في الرواية على إلحاقه بها أو إخراجه، أمّا أين تدفن هي؟ فلا ظهور في الرواية يتصل به مستقلاً لوحده، على أنّه قد يكون المرتكز أنّ الدفن في مقابر غير المسلمين مكروه جداً، وهذه الرواية تجيزه في هذه الحال، فتُرفع الكراهة، فمن أين نعلم أنّ المرتكز هو التحريم؟! وهذه الرواية ضعيفة السند بأحمد بن أشيم، فهو مهمل في كتب القدماء، وقد ضعّفَ سندَها العديدُ من العلماء، ولم يعتبروها دليلاً، وقد صرّح مثل المحقّق النراقي بعدم إمكان الاستدلال بهذه الرواية في المقام (مستند الشيعة 3: 293)، وفتوى كثير من الفقهاء أنّها تدفن في مقابر المسلمين مستدبرةً القبلة، وهذا مخالف لما يراد استنتاجه منها هنا. هذا وتوجد بعض الأدلّة الأخرى ـ منها ما ذكره بعض فقهاء أهل السنّة ـ لكنّ جوابها صار واضحاً ممّا تقدّم، فلا نطيل.

وعليه، فالأقرب أنّه لا يوجد دليل على حرمة دفن المسلم في مقابر غير المسلمين، ولا دفن غير المسلم في مقابر المسلمين مطلقاً، فضلاً عن أبناء المذاهب المسلمة أنفسهم، فيمكن أن تكون مقبرةٌ واحدة جامعة لمدافن المسلمين بمذاهبهم، بل وأيضاً جامعة لمدافن المسلمين وغيرهم، حتى لو لم يتم فرزها إلى أقسام. نعم إذا لزم منه هنا أو هناك عنوانٌ ثانوي محرّم حَرُم، وكذلك لو كانت مقبرة المسلمين مسبّلةً وموقوفة لخصوص المسلمين، فلا يجوز دفن غيرهم حينئذٍ عملاً بقانون الوقف الشرعي، وهكذا.

([9]) من الواضح أنّه بناء على ما ذكرناه آنفاً فإنّه لا فرق بين دفن هذه المرأة مع جنينها في مقابر المسلمين، ودفنهما في مقابر غيرهم أو في مقابر مشتركة، وأمّا كيفيّة الدفن فحيث قلنا بعدم وجوب التوجيه للقبلة، أمكن دفنها بأيّ طريقة كانت سواء كانت على يمينها متوجّهة للقبلة أو بالعكس أو غير ذلك، بلا فرق في هذا كلّه بين ما قبل ولوج الروح وما بعده. وسوف يأتي حكم إجراء أحكام الدفن على السقط قريباً.

([10]) بل يجوز ما لم يلزم عنوان ثانوي محرّم، كهتك حرمة الميّت الأوّل، ونحو ذلك؛ وذلك لما سيأتي عند التعليق على المسألة رقم: 325، من أنّ نبش القبر ليس بعنوانه محرّماً، بل الحرمة للعنوان الثانوي الذي هو الهتك.

([11]) إنّ مجمل هذه المندوبات لم يثبت بعنوانه هنا، عدا الدعاء للميّت، وذكر الله عند تناوله وإنزاله في القبر، وحلّ عقد كفنه وكون باب القبر من قبل الرجلين. كما يترجّح رشّ القبر بالماء لكن الكيفيّة الخاصّة المذكورة في المتن أعلاه لم تثبت. وأمّا غيره فقد يثبت بعنوان عام أو لكونه محسَّناً اجتماعيّاً وفيه حفظ لحرمة الميت واحترام له، كما في تغطية قبر المرأة عند إنزالها، فإنّه حَسَنٌ لحفظ الحرمة والعفاف.

([12]) الظاهر كراهة نزول الوالد في قبر ولده، ولعلّ العلّة فيه ـ كما ألمحت بعض الروايات ـ هو الخوف من حلول الجزع عليه بما يبطل تسليمه لله فيما قضى وحَكَم، كما أنّه لم يثبت كراهة طرح التراب على ذي رحم وإن كانت نكتته التعليليّة لطيفة وهي أنّ ذلك قد يوجب قسوة القلب. كما أنّه يترجّح القول بكراهة البناء على القبور وتجصيصها وما شابه ذلك. واستثناء أهل الشرف لم يقم عليه دليل واضح، بل حتى بناء قبور الأنبياء والأئمّة لم يثبت استحبابه بعنوانه، بل الثابت استحباب عمارة بعض القبور بالناس وزيارتهم لها، كما هو مفهوم عمارة المساجد بالمصلّين.

([13]) الكراهة محلّ تأمّل ما لم يلزم من النقل تفويت أمرٍ راجح فيكون النقل مرجوحاً، وإلا فالكراهة بعنوانها مشكلة هنا.

([14]) اشتهر بين الشيعة ثبوت استحباب الدفن في الغري أو وادي السلام في مدينة النجف بعنوانه، لكنّ الأقرب أنّه لم يثبت ذلك، والرواية فيه في غاية القلّة والضعف الإسنادي، وبعض ما ذكروه من روايات لا دلالة فيه إطلاقاً، وقاعدة التسامح لم تثبت، كما أنّ كون مقبرة وادي السلام فيها خصوصيّة منفردة عن غيرها باسم سقوط سؤال منكر ونكير أو عذاب القبر لم يثبت؛ إذ عمدة دليله خبر إرشاد القلوب للديلمي في الجزء الثاني منه، وهو ـ أعني الجزء الثاني ـ لو ثبت صحّة نسبته للديلمي، خبرٌ مرسل جداً فاقد للإسناد يرجع للقرن الثامن الهجري تقريباً. وأمّا ما دلّ على أنّ الأرواح المؤمنة تلتقي هناك وتتحادث ـ مثل خبر حبّة العرني ومرفوعة أحمد بن عمر ـ فلا ربط له باستحباب دفن الأجساد هناك، بل ربما تكون على العكس أدلّ؛ لأنّها تفيد أنّه ولو دُفنت الأجساد متباعدةً غير أنّ الأرواح تلتقي في دار السلام فيما أرواح العاصين تلتقي في وادي برهوت الذي قيل بأنّه في اليمن، كما أنّ مثل خبر الحذاء من أنّ هذه المقبرة يخرج منها مائة وعشرون ألف شهيد كشهداء بدر، هو الآخر لا يدلّ على استحباب الدفن، بل هو إخبار عن أنّ هذه المقبرة ستحتوي رفات آلاف العظماء، بل الأقرب أنّه لا دليل موثوقاً على سقوط عذاب القبر أو سؤال منكر ونكير ولا غير ذلك في مختلف المشاهد والمساجد والمقامات الدينيّة، عدا رواية آحاديّة ظنيّة (خبر هارون بن خارجة) في الأمن من الفزع الأكبر لمن دُفن في الحرم المكّي أو الحرمين المكّي والمدني، وفي متنها تأمّلٌ، بصرف النظر عن إسنادها الذي فيه أبو إسماعيل السرّاج عبد الله بن عثمان الذي لم تثبت وثاقته على التحقيق. وأمّا "خبر حفص وهشام" في أنّ الحرم أفضل من عرفات، فهو وإن وضعه أمثال الحرّ العاملي تحت عنوان "باب استحباب دفن الميت في الحرم.."، لكنّ أطراف السؤال والجواب لا إشارة فيها للدفن إطلاقاً، بل غايته أنّ هذا المكان أفضل من ذاك المكان، وهذا لا يُثبت استحباب الدفن فيه بعنوانه الأوّلي، وإنّما أشرفيّة المكان. ونحن لا ننفي ترجيح الدفن في الأمكنة الأشرف إذا كان فيه اجتماعيّاً مزيد شرف واحترام للميّت، ولكنّ الكلام في خصوصيّة هذه الأمكنة في ثبوت استحباب شرعيّ مستقلّ فيها بعنوانها هنا. كما أنّ الاستدلال بالإجماع هنا غير واضح؛ لقوّة احتمال استنادهم للوجوه الاعتباريّة العامّة ولحُسن ذلك عموماً، لا لدليل بعينه يفيد الاستحباب الشرعي بعنوانه. هذا لو تمّ إجماعٌ. كما أنّه من المحتمل جداً ـ بمراجعة المعطيات التاريخيّة ـ أنّ شيوع ظاهرة الدفن في الغريّ لغير أهل الكوفة جاءت بعد القرن الثالث الهجري، وفي العصر البويهي بالتحديد وإلى يومنا هذا، فلم نعهد ظاهرة اهتمام أصحاب الأئمّة منذ القرن الثاني وإلى نهاية عصر الغيبة الصغرى ـ وفقاً للتقسيم السائد ـ بالدفن هناك لمن هم من غير سكّان المنطقة التي تعتبر المقبرة مقبرةً لبلدهم في العادة، والموضوع التاريخي يحتاج لمزيد تتبّع. كما أنّ ادّعاء أنّ ذلك من باب الاستشفاع غير واضح في إثبات استحبابٍ شرعي للدفن بعنوان وادي السلام، هذا كلّه بصرف النظر عن الروايات الدالّة على فضيلة الكوفة أو ظهر الكوفة أو الفرات وغير ذلك من الأراضي والبقاع، فإنّه ـ لو تمّ ـ لا ربط له بثبوت استحباب شرعي بعنوانه بالدفن هناك، كما هو واضح.

([15]) ما أفاده صحيح، إلا اشتراط إذن الوليّ، فإنّه إذا لم يكن هناك تبانٍ عرفي بحيث يعدّ ذلك من نوع العدوان على الحقوق الاجتماعيّة المتعارفة بين الناس، فلا دليل على شرط إذن الولي.

([16]) حكم جمهور الفقهاء بحرمة نبش قبر المؤمن بحيث يظهر جسده، ما لم يصبح تراباً، فيجوز؛ لانعدام الموضوع، بما يوحي وكأنّ هذا الحكم قائم بنفسه في الشريعة الإسلاميّة، الأمر الذي دفعهم للحديث عن استثناءات لهذا الأمر لها دليلها وتبريرها الخاصّ، مثل ما لو دفن في الأرض المغصوبة، أو كان في النبش مصلحة الميّت ـ مثل ما لو كان مدفوناً في مكان مهينٍ له كالبالوعة أو المزبلة ـ أو أريد نقله إلى المشاهد المشرّفة، أو عارضه أمر أهمّ كما لو توقّف دفع مفسدة على كشف جسده، أو غير ذلك من الموارد التي ذكروها. غير أنّ وجهة نظر أخرى اعتبرت أنّه لا يوجد في الشريعة حكمٌ مستقلّ عنوانُه حرمة نبش القبور، بل المحرّم هو هتك حرمة الميّت، فلو لزم من النبش هتك حرمة الميّت الذي حرمتُه في حال الموت كحرمته في حال الحياة، حرم النبش، أمّا لو لم يلزم الهتك جاز النبش. وممّن أخذ بوجهة النظر هذه في بحوثه السيدُ أبو القاسم الخوئي، وصرّح بها في الكتب الفتوائيّة جماعة مثل الشيخ محمّد أمين زين الدين والسيد كاظم الحائري، وغيرهما. وصرّح السيد محمّد سعيد الحكيم بحرمة النبش مع لزوم الهتك وأمّا النبش إذا لم يلزم منه هتكٌ فحرمتُه مبنيّةٌ عنده على الاحتياط الوجوبي.

والأقرب أنّه لا حرمة في نبش القبر بعنوانه، إنّما المحرّم هو هتك حرمة الميّت المحترم أو أيّ شخص آخر يلزم من النبش هتكُ حرمته، فلو لزم من نبش القبر أو غيره هتكٌ لحرمة الميّت حرم، وإلا فلا يحرم من الأوّل. ويترتب على ذلك أنّ المرجع في تعيين الموقف هو العرف، فلو نُبش قبر ميتٍ مات قبل خمسين سنة كي ُيدفن في موضعه ابنُه أو حفيده، جاز حتى لو كانت العظام باديةً وظاهرة ولم يتحوّل بعدُ إلى تراب أو نحو ذلك، ما دام العرف لا يرى في ذلك أيَّ هتك، وهكذا لو أريد من النبش النقل للمشاهد المشرّفة وتُلُقّيَ هذا الأمر على أنّه كرامة للميّت وليس هتكاً له، جاز. وبهذا يتبيّن أنّه لو وُضع الميّتُ في سرداب أو غرفة تحت الأرض مثلاً، جاز فتح بابها لدفن ميّتٍ آخر حتى لو ظهر جسد الميّت الأوّل أثناء قيامهم بوضع الميّت الثاني، ما دام لا يلزم هتكٌ، إلى غير ذلك من الموارد. كما وبهذا يظهر أيضاً أنّه لو تمّ نبش قبر ولم تظهر جثّة الميّت لكن كان يلزم من النبش بهذا المقدار هتكُ حرمة الميّت حرُم ذلك، فالعبرة بالهتك لا بالنبش محضاً ولا بظهور الجسد بعنوانيهما.

وانطلاقاً مما أسلفناه تصبح بعض المستثنيات التي أشار إليها الفقهاء هنا خارجةً عن مفهوم الاستثناء؛ لأنّها في الحقيقة ليست سوى انعدام لعنوان الهتك في موردها، فخروجها تخصّصي وليس تخصيصيّاً.

وقد ذكر العلماء أنّ قبور الأنبياء والأئمّة وأولادهم والشهداء والعلماء والصلحاء لا يجوز نبشها مطلقاً حتى لو صارت تراباً، وفصّل بعضهم بين حالة ما لو صارت مزاراً فيحرم، وعدمه فيجوز أو يحرم على الاحتياط. والحقّ أنّه لا دليل على شيء من ذلك بعنوانه، إنّما المحرّم هو حيثيّة الهتك الراجعة للعقل الجمعي عند العرف، غاية الأمر أنّ قبور مثل هؤلاء لها خصوصيّة ما فوق فرديّة، فهي لا تمثل الفرد الميّت أو أسرته فقط، بل قد تمثل أحياناً هويّةً رمزيّة جمعيّة، أو وجوداً رمزيّاً دينيّاً فيصبح التعامل معها تعاملاً مع مجتمع بأكمله أو مع هوية دينيّة، فتأخذ لنفسها وضعاً إضافيّاً، وبهذا قد يصير الاعتداء عليها اعتداءً على الدين أو على المجتمع كلّه، فإذا لزم من نبش أحد هذه القبور شيء من ذلك كان محرّماً قطعاً، وإلا فلا دليل على التحريم. وبهذا يظهر أنّه مع الهتك هنا يحرم النبش حتى لو لم تكن هناك جثّة أصلاً بادية في القبر، فالمعيار هنا أيضاً هو الهتك للأفراد أو للجماعة أو لدين الله. بلا فرق بين كون هذا القبر أو ذاك قد اتخذ مزاراً من قبل الناس أو لا، نعم قد يكون اتخاذه مزاراً معزّزاً لاعتبار النبش هتكاً عرفاً، فانتبه. ومن مجموع ما أسلفناه يُفهم أنّ مسألة نبش القبور والتعامل معها ليست مسألة تعبديّة، بل هي تجلٍّ لفقه العلاقات الاجتماعيّة وحُرمة الأفراد والجماعات والرمزيّات الدينيّة.

([17]) قلنا بأنّه لم يثبت حرمة نبش القبر إذا لم يلزم منه محرّم كهتك حرمة الميّت، لكن لو فرضنا أن نبش القبر محرّم بعنوانه، فإنّ هذه الاستثناءات ـ بعيداً عن الأخير منها مما أشرنا لحكمه سابقاً في مواضعه ـ تخضع لقانون التزاحم، فتلاحظ الأهميّة ويجري الترجيح، وإلا فلم يرد شيء منها بوصفه استثناء بعنوانه في ألسنة النصوص.

([18]) وفقاً لما توصّلنا إليه سابقاً، فإنّ وضعه فوق الأرض في بناء، ولو غير متوجّهٍ للقبلة، إذا صدقت عليه شروط الدفن التي قرّرناها مطلع الحديث عن الدفن، صدق أنّه مدفون، فلا يجوز نبش قبره لو لزم هتك حرمته إلا لمزاحمٍ أهمّ، وإلا فإنّه لا يصدق عليه عنوان الدفن، فإذا كانت عمليّة التوديع هذه ذات مدّة زمنية طويلة بحيث يصدق التراخي والتهاون في تحقيق الدفن الشرعي، حرُم، وإلا فلا بأس.

([19]) بل يجوز ما لم يلزم محرّم آخر كهتك الحرمة.

([20]) إذا أمكن إخراج الولد من دون شقّ البطن فلا موجب لشقّها، كما أنّه لو لزم شقّ البطن، فلا فرق بين الجانب الأيمن أو الأيسر أو غيرهما إذا احتمل تأثيره في سلامة الولد، والأمر فيه راجعٌ للطبّ والخبرة البشريّة. كما أنّه لا دليل بعنوانه معتبر الإسناد موثوقاً على وجوب تخييط بطنها بعد العمليّة الجراحية التي توجب إخراج الولد، ما لم يلزم الهتك أو عنوان آخر.

([21]) مستندهم في جملة من تفاصيل هذه المسألة أخبار آحاديّة قليلة وأكثرها ضعيف الإسناد، فضلاً عن عدم اشتمالها على تمام هذه التفاصيل وبهذه الطريقة، فالأقرب القول بأنّه إن وجد بعض الميّت بحيث يصدق عرفاً أنّه عثر عليه وعلى بدنه ولو ناقصاً، لزم ترتيب تمام الأحكام عليه إذا كان لها موضوع، فمثلاً وضع الحنوط لا معنى له في القدمين إن لم يكن له قدمان، وهكذا الحال في المئزر والإزار وغير ذلك، وأمّا إن وجد من الميّت قطعةٌ أو قطعٌ بحيث لا يقال بأنّه تم العثور على الجثّة لكنّها ناقصة رجلاً أو يداً، كما لو عثروا فقط على قدم أو رأس أو يد أو مثل ذلك، فمن الصعوبة بمكان ترتيب أحكام تجهيز الميت عليه من الغسل والحنوط والصلاة وغير ذلك، لكن يلزم دفنه. ولا دليل على لزوم وضعه في خرقة، بل يمكن الدفن من دون ذلك. وأمّا مع الشكّ في صدق عنوان الميّت أو قطع منه فالأحوط وجوباً ترتيب آثار البدن الكامل عليه ما أمكن.

([22]) لا دليل معتبراً على لزوم اللفّ بخرقة، بل المطلوب دفنه إن لزم من عدم الدفن محذورٌ شرعي.

([23]) الأقرب ـ بملاحظة نصوص الأربعة أشهر في مختلف الأبواب ـ أنّها مؤشر إلى مفهوم ولوج الروح عندهم، فلو تحقّق قبل ذلك ترتّبت الآثار، وإن لم يتحقّق بالأربعة في موردٍ ما فمن الصعب ترتيبها، وسوف يأتي ـ إن شاء الله ـ ما له صلة بموضوع الجنين وولوج الروح في مباحث الإجهاض والديات.