hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (أحكام الميّت ـ القسم الثاني/التكفين والتحنيط والجريدتان)

تاريخ الاعداد: 4/9/2024 تاريخ النشر: 4/11/2024
1470
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(4 ـ 4 ـ 2024م)

 

 

الفصل الثالث

في التكفين

يجب تكفين الميت بثلاث أثواب([1]):

الأوّل: المئزر، ويجب أن يكون ساتراً ما بين السرّة والركبة([2]).

الثاني: القميص. ويجب أن يكون ساتراً ما بين المنكبين إلى نصف الساق([3]).

الثالث: الإزار، ويجب أن يغطّي تمام البدن، والأحوط وجوباً([4]) في كلّ واحد منها أن يكون ساتراً لما تحته غير حاكٍ عنه، وإن حصل الستر بالمجموع.

مسألة 284: لا بدّ في التكفين من إذن الولي على نحو ما تقدّم في التغسيل([5])، ولا يعتبر فيه نيّة القربة.

مسألة 285: إذا تعذّرت القطعات الثلاث فالأحوط([6]) الاقتصار على الميسور، فإذا دار الأمر بينها يقدّم الإزار، وعند الدوران بين المئزر والقميص، يقدّم القميص([7])، وإن لم يكن إلا مقدار ما يستر العورة تعيّن الستر به، وإذا دار الأمر بين ستر القبل والدبر، تعيّن ستر القبل([8]).

مسألة 286: لا يجوز اختياراً التكفين بالحرير([9])، ولا بالنجس([10]) حتى إذا كانت نجاسته معفوّاً عنها، بل الأحوط ـ وجوباً([11]) ـ أن لا يكون مذهّباً، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، بل ولا من جلد المأكول، وأما وبره وشعره، فيجوز التكفين به، وأمّا في حال الاضطرار فيجوز بالجميع([12])، فإذا انحصر في واحد منها تعيّن، وإذا تعدّد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجّس وتكفينه بغيره من تلك الأنواع، فالأحوط الجمع بينهما. وإذا دار الأمر بين الحرير وغير المتنجس منها، قدّم غير الحرير، ولا يبعد التخيير في غير ذلك من الصور([13]).

مسألة 287: لا يجوز التكفين بالمغصوب([14]) حتى مع الانحصار. وفي جلد الميتة إشكال، والأحوط وجوباً مع الانحصار التكفين به([15]).

مسألة 288: يجوز التكفين بالحرير غير الخالص بشرط أن يكون الخليط أزيد من الحرير على الأحوط وجوباً([16]).

مسألة 289: إذا تنجّس الكفن بنجاسة من الميت، أو من غيره وجب إزالتها ولو بعد الوضع في القبر، بغسل أو بقرض إذا كان الموضع يسيراً، وإن لم يمكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان([17]).

مسألة 290: القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة قبل الدين والوصية، وكذا ما وجب من مؤنة تجهيزه ودفنه، من السدر والكافور، وماء الغسل، وقيمة الأرض، وما يأخذه الظالم من الدفن في الأرض المباحة، وأجرة الحمال، والحفّار، ونحوها.

مسألة 291: كفن الزوجة على زوجها([18]) وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو أمة أو غير مدخول بها، وكذا المطلقة الرجعيّة، ولا يترك الاحتياط في الناشزة والمنقطعة([19]). ولا فرق في الزوج بين أحواله من الصغر والكبر وغيرهما من الأحوال.

مسألة 292: يشترط في وجوب كفن الزوجة على زوجها يساره([20])، وأن لا يكون محجوراً عليه قبل موتها بفلس، وأن لا يكون ماله متعلّقاً به حقّ غيره برهنٍ أو غيره، وأن لا يقترن موتها بموته، وعدم تعيينها الكفن بالوصيّة، لكنّ الأحوط وجوباً إن لم يكن أقوى([21]) في صورة فقد أحد الشروط الثلاثة الأول، وجوب الاستقراض([22]) إن أمكن ولم يكن حرجيّاً، وكذا الاحتياط في صورة عدم العمل بوصيّتها بالكفن([23]).

مسألة 293: كما أنّ كفن الزوجة على زوجها، كذلك سائر مؤن التجهيز من السدر والكافور وغيرهما مما عرفت على الأحوط وجوباً إن لم يكن أقوى([24]).

مسألة 294: الزائد على المقدار الواجب من الكفن وسائر مؤن التجهيز، لا يجوز إخراجه من الأصل إلا مع رضا الورثة، وإذا كان فيهم صغير، أو غير رشيد، لا يجوز لوليّه الإجازة في ذلك([25])، فيتعيّن حينئذٍ إخراجه من حصّة الكاملين برضاهم، وكذا الحال في قيمة القدر الواجب فإنّ الذي يخرج من الأصل ما هو أقلّ قيمة، ولا يجوز إخراج الأكثر منه إلا مع رضاء الورثة الكاملين، فلو كان الدفن في بعض المواضع لا يحتاج إلى بذل مال، وفي غيره يحتاج إلى ذلك، لا يجوز للوليّ مطالبة الورثة بذلك([26]) ليدفنه فيه.

مسألة 295: كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله، لا على من تجب عليه النفقة([27]).

مسألة 296: إذا لم يكن للميّت تركة بمقدار الكفن، فلا يترك الاحتياط ببذله ممن تجب نفقته عليه([28])، ومع عدمه يدفن عارياً([29])، ولا يجب على المسلمين بذل كفنه.

تكملة: فيما ذكروا من سنن هذا الفصل. يستحبّ في الكفن العمامة للرجل ويكفي فيها المسمى، والأولى أن تدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، والمقنعة للمرأة، ويكفي فيها أيضاً المسمّى، ولفافة لثدييها يشدّان بها إلى ظهرها، وخرقة يعصب بها وسط الميت ذكراً كان أو أنثى، وخرقة أخرى للفخذين تلفّ عليهما، ولفافة فوق الإزار يلفّ بها تمام بدن الميت، والأولى كونها برداً يمانيّاً، وأن يجعل القطن أو نحوه عند تعذره بين رجليه يستر به العورتان، ويوضع عليه شي‌ء من الحنوط، وأن يحشى دبره ومنخراه، وقُبُل المرأة إذا خيف خروج شي‌ء منها، وإجادة الكفن، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض، وأن يكون من خالص المال وطهوره، وأن يكون ثوباً قد أحرم أو صلى فيه، وأن يلقى عليه الكافور والذريرة، وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، وأن يكتب على حاشية الكفن: فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله، ثم يذكر الأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد، وأنّهم أولياء الله وأوصياء رسوله، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ، وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير والكبير([30])، ويلزم أن يكون ذلك كلّه في موضع يؤمن عليه من النجاسة والقذارة، فيكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميت، وقيل: ينبغي أن يكون ذلك في شي‌ء يستصحب معه بالتعليق في عنقه أو الشدّ في يمينه، لكنه لا يخلو من تأمل، ويستحب في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت، والأيسر على أيمنه، وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث، وإن كان هو المغسّل غسل يديه من المرفقين بل المنكبين ثلاث مرات، ورجليه إلى الركبتين، ويغسل كل موضع تنجس من بدنه، وأن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة، والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه. ويكره قطع الكفن بالحديد، وعمل الأكمام والزرور له، ولو كفن في قميصه قطع أزراره. ويكره بلّ الخيوط التي تخاط بها بريقه، وتبخيره، وتطييبه بغير الكافور والذريرة، وأن يكون أسود بل مطلق المصبوغ، وأن يكتب عليه بالسواد، وأن يكون من الكتان، وأن يكون ممزوجاً بإبريسم، والمماكسة في شرائه، وجعل العمامة بلا حنك، وكونه وسخاً، وكونه مخيطاً([31]).

مسألة 297: يستحبّ لكلّ أحد أن يهيئ كفنه قبل موته وأن يكرّر نظره إليه([32]).

 

الفصل الرابع

في التحنيط

يجب إمساس مساجد الميّت السبعة بالكافور([33])، ويكفي المسمّى. والأحوط ـ وجوباً([34]) ـ أن يكون بالمسح باليد، بل بالراحة. والأفضل أن يكون وزنه سبعة مثاقيل صيرفية. ويستحبّ سحقه باليد([35])، كما يستحبّ([36]) مسح مفاصله ولبّته، وصدره، وباطن قدميه، وظاهر كفّيه.

مسألة 298: محلّ التحنيط بعد التغسيل أو التيمم، قبل التكفين أو في أثنائه([37]).

مسألة 299: يشترط في الكافور أن يكون طاهراً([38]) مباحاً، مسحوقاً له رائحة([39]).

مسألة 300: يكره إدخال الكافور في عين الميت، وأنفه، وأذنه وعلى وجهه([40]).

 

الفصل الخامس

في الجريدتين

يستحبّ أن يجعل مع الميّت جريدتان رطبتان([41])، إحداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار([42])، والأولى أن تكونا من النخل، فإن لم يتيسّر فمن السدر، فإن لم يتيسّر فمن الخلاف، أو الرمان، والرمان مقدّم على الخلاف، وإلا فمن كلّ عود رطب([43]).

مسألة 301: إذا تركت الجريدتان لنسيان، أو نحوه، فالأولى جعلهما فوق القبر، واحدة عند رأسه، والأخرى عند رجليه([44]).

مسألة 302: الأولى أن يكتب عليهما ما يكتب على حواشي الكفن مما تقدّم([45])، ويلزم الاحتفاظ عن تلوّثهما بما يوجب المهانة([46])، ولو بلفّهما بما يمنعهما عن ذلك من قطن ونحوه.

__________________________________

([1]) أصل وجوب تكفين الميّت لا نقاش فيه، إنّما الكلام في عدد الأثواب التي يكفَّن فيها، والذي يراجع النصوص المرويّة عن أهل البيت هنا، ثم يربطها بالسياق التاريخي، قد يفهم منها شيئاً مختلفاً عمّا فهمه جمهور الفقهاء؛ وذلك أنّ الروايات الواردة في موضوع الأثواب الثلاثة بعضها ورد في بيان ما كفّن به رسول الله، وهذا لا يدلّ على اللزوم، وبعضها ـ وهو يقارب الثلاث روايات، ومنها ما هو ضعيف الإسناد ـ ظاهرٌ في بيان أنّ التكفين يكون بثلاثة أثواب للرجل، غير أنّ السؤال المطروح هنا هو أنّ رقم الثلاثة هل جاء في مقابل الأقلّ أو جاء في مقابل الأكثر؟ بمعنى أنّه لا يزاد عن ثلاثة، وهو ما يجتمع مع كون منتهى السنّة هو الثلاثة فيما الزائد بدعة، والواجب ربما يكون أقلّ من ثلاثة، وهنا لو رجعنا إلى السياق التاريخي فسوف نرى أنّ المالكيّة يرون التكفين في خمسة أثواب، فيما ترى الشافعيّة الثلاثة مع عدم الممانعة عمّا زاد إلى الخمسة، ويتوقّف الأحناف والحنابلة على الثلاثة، فالنقاش في فقه الجمهور قائم على ما هو أزيد من الثلاثة، وربما لهذا ركّزت النصوص على الثلاثة لتشير إلى بدَعيّة ما زاد، ويشهد له الحديث مكرّراً عن كفن النبيّ وغيره، كما أنّ خبر الحلبيّ ـ المصحّح سنداً ـ يشير إلى أنّ الإمام الباقر وصّى أن يكفّن بالثلاث، وأن يكتب ذلك، ولما سُئل عن سبب الكتابة قال بأنّه يخاف أن يغلب الناسُ الإمامَ الصادق، فيكفّنونه ـ أي يكفّنون الباقر ـ بأربعة أو خمسة، فالتركيز على الثلاثة في مقابل الزيادة، ولا يُعلم كونه في مقابل القلّة، وبهذا لا يمكننا الجزم بوجوب الثلاثة، بل يكفي ما يستر البدن كلّه ويلفّه، لكن في المقابل عدم بيان أهل البيت لبدعيّة الثلاثة بوصفها واجبة يرجّح كون الثلاثة واجبة، فالمسألة عندي مبنيّة على الاحتياط الوجوبي.

([2]) على الأحوط استحباباً؛ إذ الثابت ـ على أبعد تقدير ـ كون الكفن ثلاثة أثواب، أمّا اشتراط كون المئزر أن يكون ساتراً بين السرّة والركبة أو أزيد أو أقلّ، فهذا ما لم يثبت بدليل معتبر. بل حتى القميص لا دليل على تحديده بهذه الطريقة، والخلاصة: إنّ الثابت ـ على الأحوط وجوباً كما قلنا ـ هو أن يوضع في ثلاثة أثواب، على أن يكون الثوب الأخير مستوعباً للجسد كاملاً.

([3]) على الأحوط استحباباً.

([4]) بل استحباباً؛ إذ يكفي كون المجموع ساتراً لبدن الميّت. كما لا يشترط أن يكون هناك زيادة طوليّة في الإزار بحيث يمكن ربطه من الطرفين، ولا زيادة عرضيّة بحيث يقع طرفٌ على آخر، وإن كان هو الأحوط استحباباً.

([5]) قد تقدّم الحديث ـ في غسل الميّت ـ عن شرط إذن الولي فيما مضى، فراجع.

([6]) بل الأقوى مع صدق كونه كفناً عرفاً، ولو ناقصاً.

([7]) هذا التقديم معياره الأقربيّة إلى تحقّق الكفن وغايته عرفاً، فيتمّ اختيار ما يكون الأقرب إلى تحقيق غاية الكفن عرفاً، فقد يكون الإزار رقيقاً لا يستر البدن بحيث تنكشف العورة معه، فيما المئزر يسترها، فيقدّم المئزر في هذه الحال، وهكذا. والتكفين ليس مخترعاً إسلاميّاً بل هو موجود في الأمم السابقة فيعلم ـ بتنقيح المناط ـ أنّ الغاية منه الستر وحفظ حرمة الميّت، ومن ثمّ فاللازم العمل على تحقيق الغاية وما هو الأقرب إليها.

([8]) ملاكه الترجيح في باب التزاحم باحتمال الأهميّة، وليس ببعيدٍ في الجملة.

([9]) لم يثبت مثل هذا الأمر، فيجوز التكفين بالحرير للرجل وللمرأة.

([10]) على الأحوط استحباباً.

([11]) الاحتياط في المذهّب وما لا يؤكل لحمه وفي جلد المأكول استحبابيٌّ.

([12]) لو قلنا بالاشتراط، ففي حال الاضطرار قد يقال بسقوط التكليف، إلا من باب حفظ حرمة الميّت وعدم هتكه لو استلزم عدم التكفين ذلك، فيلفّ حينئذٍ بأيّ شيء كان، لكنّ الأقرب أنّ الفهم العرفي للنصوص يقضي بكون مبدأ التكفين مع شروطه قد أخذا بنحو تعدّد المطلوب، والاحتياط لا ينبغي تركه.

([13]) لو قلنا باشتراط هذه الأمور، فإنّه لم يثبت تقديم شيء على آخر، فالأحوط وجوباً الجمع مع الإمكان، وإلا فالتخيير.

([14]) الحرمة التكليفية هنا واضحة، أمّا الحرمة الوضعيّة بمعنى عدم إجزاء التكفين المشار إليه، فغير واضح؛ بل الأقرب أنّه مجزٍ من حيث هو تكفين.

([15]) التكفين بجلد الميتة جائز ومجزٍ في نفسه مع صدق عنوان الثوب عليه، سواء مع الانحصار أم عدمه.

([16]) قد تقدّم جواز التكفين بالحرير، فلا فرق بين الخالص وغيره مطلقاً.

([17]) قد صار واضحاً أنّه لا يجب تطهير الكفن ولا التبديل ولا القرض ولا غير ذلك، ما لم يلزم هتك حرمة الميّت.

([18]) مرجع ذلك العرف فيما يفهمه من تبانيات مرتبطة بشؤون الزوج تجاه زوجته، بحيث يكون متضمّناً ـ بنحوٍ من الأنحاء ـ في عقد الزواج.

([19]) أمّا الناشزة فالحكم فيها كالحكم في غيرها. وأمّا المنقطعة فإذا لم يكن هناك تبانٍ عرفيّ يدخل ضمن عقد الزواج، فإنّ في ثبوت وجوب الكفن على الزوج إشكال، والأقرب العدم.

([20]) في المورد الذي يكون الكفن فيه على الزوج، لا فرق بين يساره وإعساره، فيلزمه الاستقراض لو أمكنه. كما أنّ يساره مأخوذ فيه حالة ما بعد الوفاة فلو كان معسراً لكنّه أصبح له مال ورثه من زوجته المتوفّاة نفسها، فإنّه يصبح موسراً ويجري عليه حكم الموسر.

([21]) بل هو الأقوى.

([22]) بل وأيّ طريق آخر يوجب توفّر المال حلالاً أيضاً، ما دام ممكناً وغير حرجيّ.

([23]) بل هو الأقوى.

([24]) الأمر هنا يجري كما في الكفن، فلا نعيد.

([25]) على قاعدة أنّه لا مصلحة للقصّر بذلك، بل في ذلك خسارة تعود عليهم، وإلا لو فرضت المصلحة جاز.

([26]) ذات المطالبة بما هي هي جائزة، لكن ليس له إلزامهم ولا التصرّف بأموالهم بدون إذنهم.

([27]) بمعنى أنّه لو عنده مال وجب الأخذ من ماله، ولا يجب عليهم الدفع من أموالهم لتجهيزه.

([28]) بل هو الأقرب؛ لقضاء العرف بكون ذلك من شؤون النفقة، والعرف هو المرجع هنا.

([29]) إذا لم يوجب ذلك هتك حرمته، وإلا وجب كفائيّاً على المسلمين أو يخرَج من بيت المال.

([30]) لا بأس بهذه المناسبة من التعليق على دعاء الجوشن، وذلك أنّه يعتبر دعاء الجوشن الكبير ـ المرويّ عن الإمام زين العابدين بسنده إلى رسول الله‘ ـ من الأدعية المشهورة المتداولة بين الناس، وتعتبر قراءته من مستحبّات أو من أعمال ليلة القدر المباركة عندهم. وقد كتب بعض العلماء شروحاً على هذا الدعاء، منهم العلامة المجلسي (1111هـ)، كما اهتمّ بشرحه الحكيم السبزواري (1289هـ) فصنّف في ذلك كتابه الشهير (شرح الأسماء الحسنى). وقد حكم بعض الفقهاء باستحباب كتابة الجوشن الكبير على الكفن.

والذي توصّلت إليه هو عدم ثبوت نسبة هذا الدعاء إطلاقاً، فهو في نفسه معتمدٌ على رواية ضعيفة جدّاً، ومتأخّرة زماناً، كما لم يثبت استحباب كتابته على الكفن، ولم يثبت أيضاً كونه من الأعمال الخاصّة بشهر رمضان المبارك، فضلاً عن أن يكون من أعمال ليلة القدر، فلا يصحّ اعتماده مستَنَداً في قضايا عقائديّة أو فلسفية أو غيرها. وقاعدة التسامح في أدلّة السنن غير ثابتة. لكنّ هذا لا يمنع من الدعاء به ما دام لا يحتوي على أيّ مضمونٍ فاسد، كما هي القاعدة في الأدعية عموماً (هناك بعض الملاحظات على بعض الأسماء والصفات المذكورة فيه من حيث دقّة توصيف الله سبحانه بها، فلا نطيل)، لكن إذا أحبّ بعضُ المؤمنين ـ بشكلٍ فردي أو جماعي ـ اعتماد دعاء آخر في ليالي القدر المباركة، فهذا أمر يرجع إليهم ولا ضير في ذلك ما لم ينسبوه بعنوانه للدين فيما لا يكون دليل صحيح على هذه النسبة. بل إنّ أغلب ما يعتبر بين الناس من الأعمال الخاصّة بليالي القدر لم يقم عليه بعنوانه دليلٌ معتبر، إنّما الثابت في هذه الليالي هو عنوان مطلق الإحياء والصلاة والذكر والدعاء وأمثال ذلك.

وقد ألمح إلى دعاء الجوشن عموماً السيدُ ابن طاووس (664هـ) في كتابه (مهج الدعوات: 217 ـ 232)، من دون أن يكون هناك وضوح إطلاقاً في كونه يقصد دعاء الجوشن الكبير. وعليه فالمعروف بين العلماء والباحثين ـ وهو الصحيح ـ أنّ المصدر الأساس والأقدم لهذا الدعاء الموجود بين أيدينا اليوم يرجع للقرن العاشر الهجري، وهو الشيخ الكفعمي (905هـ)، حيث ذكره في كتابيه: (المصباح: 247، والبلد الأمين: 402)، وعنه نقل العلامة المجلسي والمحدّث النوري وغيرهما هذا الدعاء فصار مشهوراً اليوم. بل علّق المجلسي فقال: «ومن الأدعية المعروفة دعاء الجوشن الكبير وهو مرويّ عن النبيّ‘ رواه جماعة من متأخّري أصحابنا رضوان الله عليهم» (بحار الأنوار 91: 382)، وتعبيره بـ «متأخّري أصحابنا» مشيرٌ لعدم وجود هذا الدعاء أصلاً بين المسلمين في القرون الأولى. وهذا يعني أنّ هذا الدعاء لا أثر له قبل القرن العاشر الهجري، والكفعمي وغيره لم ينقلوا له أيّ مصدر فضلاً عن أيّ سند على الإطلاق! ومن الواضح أنّ هذا الدعاء لا عينَ له ولا أثر في كتب الحديث أو الآداب عند عموم المسلمين من سائر المذاهب. وثمّة إشارات إلى كونه دعاء متداولاً بين بعض الصوفيّة إلى اليوم، وربما يكون من إنشائهم. وقد أقرّ الشيخ عباس القمي (1359هـ) بعدم ورود حديث أصلاً في قراءة هذا الدعاء لخصوص ليالي القدر، بل هو شامل عنده لكلّ ليالي شهر رمضان (مفاتيح الجنان: 125)، رغم أنّ بعض الإشارات للمجلسي في (زاد المعاد: 127) قد توحي أنّه اعتَبَره من أعمال ليالي القدر. هذا، وقد تحدّث السيد علي السيستاني في جوابٍ له بما يتعلّق بهذا الدعاء، وهذا نصّه: «السؤال: ما مدى صحّة الرواية على أنّ دعاء الجوشن قد هبط به جبرائيل على النبيّ‘؟ وهل ذكر الدعاء به في خصوص ليالي القدر؟ الجواب: لم ترد بهذا المضمون رواية صحيحة، ولكن المناط في جواز قراءة الأدعية ليس صحّة استنادها إلى المعصوم، بل صحّة مضامينها، فإن صحّت المضامين جازت قراءتها حتى لو لم يعلم استنادها إلى المعصوم» (الاستفتاءات: 210). أمّا كتابة هذا الدعاء على الكفن، فلا يوجد دليل معتبر أساساً على فكرة من هذا النوع، ولم يثبت استحباب ذلك، والعلم عند الله.

([31]) إنّ جميع هذه المستحبات والمكروهات لم تثبت بدليلٍ معتبر، وبعضها لا يوجد نصٌّ فيه إطلاقاً، بل هي تعتمد على مرويّات قليلة ضعيفة غالباً وأحياناً أخبار آحاديّة. وقاعدة التسامح في أدلّة السنن غير ثابتة. نعم بعضُها يمثل سلوكاً حسناً بالنظر العرفي عند بعض الأعراف على الأقلّ ويعبّر عن احترام الميّت وتكريمه، وقد يكون مشمولاً لكليات شرعيّة عامّة، لكنّه لم يثبت استحبابه بعنوانه. ويستثنى من ذلك مورد يترجّح ثبوته وهو استحباب أصل العمامة للرجل.

([32]) لم يثبت ذلك بعنوانه بدليل معتبر.

([33]) ذهب مشهور فقهاء الإماميّة إلى وجوب تحنيط الميّت، والمراد به هنا هو جعل الكافور (أو مسحه) على مساجد الميّت السبعة، وذكروا له أحكاماً عدّة وتفاصيل، لكنّ الأقرب للنظر هو أنّ تحنيط الميّت ـ بصرف النظر عن الكيفيّات والشروط ـ مستحبٌّ مسنون، وليس بواجب، فلو لم يتمّ تحنيطه، بل دُفن بلا تحنيط أجزأ. غير أنّ الاحتياط بتحنيط الميّت وجيهٌ وحَسن.

وعمدة الأدلّة عندهم هنا ـ بعد الإجماعاتِ والشهرات واضحةِ المدركيّة ـ هي النصوص العديدة الواردة في التحنيط، وهي بين صحيح السند وضعيفه تتعاضد فيقوّي بعضُها بعضاً. لكنّ مشكلة هذه النصوص في غالبيّتها الساحقة أنّها لم تذكر وجوب التحنيط، بل ذكرت كيفيّاته وبعض تفاصيله، فمن الممكن أن يكون مستحبّاً مؤكّداً، وتصدق هذه التفاصيل جميعاً، فإذا جاء في الرواية مثلاً: إذا أردت تحنيط الميّت فافعل كذا وكذا، وَضَعِ الكافور هنا وهناك، ولا تضعه في مسامعه أو عينه أو في أنفه وغير ذلك.. فهذا لا يدلّ على الوجوب، بل ينسجم مع كون التحنيط من المستحبّات المؤكّدة التي جرت العادات عليها أيضاً. وهكذا لو قال الراوي ـ في مثل خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله ـ بأنّني سألته عن التحنيط فأجابني: اجعله على المساجد السبعة، فإنّ السؤال والجواب لا يفهم منهما بوضوح أصل حكم التحنيط، بل ينسجم أيضاً مع كون المنظور له ما يوضع الكافور عليه من أجزاء البدن. وقد بحثنا في محلّه وقلنا بأنّ أحد مشاكل الروايات أحياناً أنّ طبيعة سؤال السائل غير واضحة، وأنّ علينا استخراج السؤال من خلال الجواب أحياناً، ومن ثمّ ففي مثل هذا الخبر ربما يكون السؤال عن مواضع التحنيط، ولهذا لم يجبه الإمام بقوله: «إنّه واجب فقوموا به»، بل طالبه أن يجعله في مساجده.

المشكلة الأخرى الموجودة في جملة من هذه النصوص، هو اشتمال الروايات على ذكر الواجبات والمندوبات المرتبطة بالميّت بطريقةٍ يختلط فيها الواجب بالمندوب، وفي هذه الحال ـ وفاقاً لبعض العلماء وخلافاً لآخرين ـ فإنّ فهم العرف للوجوب هنا غير واضح إطلاقاً؛ لأنّ السياق لا يساعد على استخراج الوجوب من النصّ، بل غايتُه جامعُ الطلب. ويظهر أنّ المحقّق النجفي (1266هـ) استشكل في وجوب التحنيط انطلاقاً من النقطة الثانية، وأجابه السيد محسن الحكيم وغيره بأنّ إشكاليّته لا تضرّ بعد وجود الإجماعات والشهرات، غير أنّه في تقديري لو جمع النجفيُّ المشكلتَين المتقدّمتين معاً كان أفضل في إرباك القول بوجوب التحنيط، مضافاً لمشاكل سنديّة في الروايات، فضلاً عن كون الدالّ بوضوح خبراً آحاديّاً.

([34]) بل استحباباً.

([35]) لم يثبت ذلك بدليل معتبر.

([36]) لم يثبت استحباب ذلك، لكنّه مقتضى الاحتياط الاستحبابي.

([37]) لم يثبت وجود محل معيّن للتحنيط، بل القدر المتيقّن أنّ المطلوب فيه بقاء الحنوط وأثره مع الميّت، فيكون بعد الغسل على تقدير وجود غسل، إذ لو كان قبله لزال الحنوط بالغسل عادةً، وعليه فلو كان الموقف هو التيمّم جاز التحنيط قبل التيمّم، كما يجوز أثناء التكفين وهكذا.

([38]) لا دليل معتبراً على اشتراط كونه طاهراً بعنوانه، حتى لو قلنا باشتراط طهارة بدن الميّت، إذ المتنجّس لا ينجّس في هذا المورد كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

([39]) اشتراط الإباحة تكليفاً واضح، أمّا اشتراط كونه مسحوقاً فهو مرتبط بالغرض من التحنيط، وليس شرطاً إضافيّاً في الشريعة، فإنّه إذا لم يكن مسحوقاً وفُرض ـ كما قيل ـ عدم تأثيره في انتشار الرائحة والتطييب، لم يتحقّق الغرض من وراء التحنيط، وكذا لو لم تكن له رائحة فإنّه ليس الغرض مسح ذات الكافور بما هو هو بلا رائحته وتطييبه، هذا لو سلّمنا صدق عنوان الكافور عليه حال كونه بلا رائحة.

([40]) النصوص مضطربة، وتحصيل الوثوق بالكراهة مشكل، فالأحوط استحباباً الترك.

([41]) هذا الحكم من مختصّات الإماميّة فلم يذهب إليه أحدٌ من فقهاء الإسلام فيما نعلم، والنصوص فيه كثيرة وليست آحاديّة ظنيّة. نعم، بعضُها فيه إشكال متنيّ يحتاج للمزيد من التأمّل فيه.

([42]) هذه الكيفيّة بخصوصها مبنيّة على الاحتياط الاستحبابي.

([43]) كونها من النخل وما يتبع ذلك مما هو مذكور في المتن حتى نهاية المسألة، مبنيٌّ أيضاً على الاحتياط الاستحبابي.

([44]) هذا مبني على الاحتياط الاستحبابي.

([45]) لم يثبت شيء من ذلك.

([46]) فيما تحرم إهانته، فلو رجعت المهانة على الميت تمّ كلام الماتن، وإلا فلا يحرز أنّ إهانة الجريدتين هو بنفسه إهانةٌ لشعائر الله أو حرماته، ما لم يرجع لإهانة الميّت أو لإهانة الشريعة نفسها، كما لو وقعت إهانتهما بهدف أو في سياق إهانة تشريع استحبابهما الآتي من أهل البيت النبويّ مثلاً.