hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الجماعة ـ القسم السابع)

تاريخ الاعداد: 6/4/2025 تاريخ النشر: 6/5/2025
1170
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(29 ـ 5 ـ 2025م)

 

الفصل الرابع

في أحكام الجماعة

 

مسألة 811: لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة وأقوالها، غير القراءة في الأوليين إذا ائتمّ به فيهما، فتجزيه قراءته، ويجب عليه متابعته في القيام، ولا تجب عليه الطمأنينة حاله حتى في حال قراءة الإمام([1]).

مسألة 812: الظاهر عدم جواز القراءة للمأموم في أوليي الإخفاتيّة إذا كانت القراءة بقصد الجزئيّة، والأفضل له أن يشتغل بالذكر والصلاة على النبيّ‘، وأمّا في الأوليين من الجهريّة فإن سمع صوت الإمام ولو همهمةً وجب عليه ترك القراءة، بل الأحوط الأولى الإنصات‌ لقراءته، وإن لم يسمع حتى الهمهمة جازت له القراءة بقصد القربة، وبقصد الجزئيّة، والأحوط استحباباً الأوّل، وإذا شكّ في أنّ ما يسمعه صوت الإمام أو غيره فالأقوى الجواز، ولا فرق في عدم السماع بين أسبابه من صمم أو بُعد أو غيرهما([2]).

مسألة 813: إذا أدرك الإمام في الأخيرتين وجب عليه قراءة الحمد والسورة، وإن لزم من قراءة السورة فوات المتابعة في الركوع اقتصر على الحمد، وإن لزم ذلك من إتمام الحمد، فالأحوط ـ لزوماً ـ الانفراد، بل الأحوط استحباباً له إذا لم يحرز التمكّن من إتمام الفاتحة قبل ركوع الإمام عدم الدخول في الجماعة حتى يركع الإمام، ولا قراءة عليه([3]).

____________________________

([1]) ما ذكره السيّد الماتن هو الصحيح، وسيأتي الحديث حول بعض الفروع ذات الصلاة في (المسألة رقم: 813)، لكن لدينا تعليق على شرط المتابعة في القيام أثناء قراءة الإمام، وذلك أنّ الظاهر من الماتن هو أنّه إذا قام الإمام للركعة الثانية، وبدأ بقراءة الحمد، فيجب على المأموم متابعته حال القيام، وعدم التواني بالتأخّر والانشغال بالسجود.

لكنّ الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان التأخّر فاحشاً فلا يجوز؛ لوجوب المتابعة التي تعني عدم التأخّر الفاحش عن الإمام كما سيأتي الحديث عن ذلك في (المسألة رقم: 815)، وما إذا لم يكن التأخّر فاحشاً، فهنا لا تلزم المتابعة والإسراع للقيام، فإنّ القيام أثناء القراءة وإن كان واجباً ومن شروط صحّتها، إلا أنّ دليله لا يعلم شموله لغير قراءة الشخص لنفسه، أمّا إذا كان القارئ هو الإمام، فلا دليل على وجوب قيام المأموم أثناء قراءة الإمام من أوّلها لآخرها، ومع عدم الدليل على وجوب ذلك وكون الشكّ شكّاً في ثبوت التكليف أو الشرطيّة، تجري البراءة أو أصالة عدم الاشتراط.

 

حكم قراءة المأموم خلف الإمام في الجهريّة والإخفاتية و..

([2]) وقع الخلاف في أنّ المأموم هل يجوز له القراءة خلف الإمام في الركعتين الأوليين بعد الاتفاق على عدم وجوب ذلك. وقد نُقل عن الشهيد الثاني في "روض الجنان" أنّه لم يقف في الفقه على مسألة وقع فيها خلافٌ بحجم الخلاف الذي وقع في هذه المسألة.

وسبب الاختلاف هو الروايات نفسها، إذ تقارب العشرين رواية، وهي على مجموعات:

المجموعة الأولى: ما يدلّ على التفصيل، وهو حوالي عشرة روايات، بمعنى أنّه إذا كانت الصلاة إخفاتيّةً فليس من حقّ المأموم القراءة، وإن كانت جهريّةً فإذا سمع صوت الإمام فكذلك، بل لا بدّ له أن يُنصت لقراءته، وأمّا إذا لم يسمع حتى الهمهمة من الإمام فيجوز له آنذاك القراءة، ومن هذه الروايات خبر الحلبي، عن أبي عبدالله× قال: «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أم لم تسمع، إلا أن تكون صلاةً تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فأقرأ».

لكن في مقابل هذه المجموعة من النصوص توجد ثلاث مجموعات قد تكون معارضة، لا بدّ من النظر فيها.

المجموعة الثانية: ما دلّ على عدم جواز القراءة بشكل مطلق، مثل خبر يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبدالله× عن الصلاة خلف من أرتضي به، أقرأ خلفه؟ قال: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه».

وقد جمعوا بين هذه المجموعة والمجموعة المتقدّمة على قانون الإطلاق والتقييد، وليس ببعيدٍ؛ من حيث إنّ حالة كون الصلاة جهريّة مع عدم سماع حتى همهمة الإمام ليست واسعة الابتلاء جداً، فيمكن حمل النصوص المطلقة على الأعمّ الأغلب، وهذا النوع من الجمع بين المطلق والمقيد مقبولٌ عرفاً ما دام بيان المطلق قائماً على الأعمّ الأغلب. هذا مضافاً لاحتمال أنّ بعض هذه النصوص يُقصد به مبدأ إيكال القراءة للإمام عند تحقّق شروط الإمامة، دون دخول في التفاصيل.

المجموعة الثالثة: ما يظهر منه كراهة القراءة خلف الإمام بشكل مطلق. والعمدة هنا خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله×: «.. لا ينبغي له أن يقرأ.. يكله إلى الإمام». على قاعدة أنّ «لا ينبغي»، تدلّ على الكراهة، أي لا يُستحسن، من هنا قيل بحمل النهي في المجموعتين السابقتين على الكراهة.

غير أنّ «لا ينبغي» لا تدلّ على الكراهة في أصل اللغة، بل على الأعمّ من الحرمة والكراهة، أو فقل: على جامع المرجوحيّة، فتُحمل هي على الطوائف السابقة، وليس العكس، فيكون حالها حال المجموعة الثانية.

المجموعة الرابعة: ما دلَّ على أنّ المأموم تجوز له القراءة في الركعتين اللتين يخفت فيهما ويصمت فيهما الإمام على خلاف الروايات العشر في المجموعة الأولى.

وينحصر مصداق هذه المجموعة برواية واحدة هي خبر علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن× عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال: «إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس». فهذه تدلّ على أنّ الصلاة الإخفاتية يجوز فيها للمأموم القراءة، على خلاف روايات المجموعة الأولى الدالّة على المنع، ولهذا قالوا بحمل تلك الروايات على الكراهة، وربما لهذا اختار جمعٌ ـ منهم السيد اليزدي في العروة ـ الحكمَ بالكراهة وأنّ المأموم يكره له القراءة خلف الإمام من دون تفصيل.

والصحيح أنّ الروايات العشرة الواردة في المجموعة الأولى لا تعارضها روايةٌ آحادية مثل خبر علي بن يقطين. والجمعُ بالحمل على الكراهة خلاف الظاهر من روايات المجموعة الأولى على كثرتها دون تبيين، فالراجح هو العمل بالمجموعة الأولى.

وفقاً لهذا كلّه يمكن التعليق على ما جاء في المتن أعلاه:

1 ـ لا تجوز القراءة في أوليي الإخفاتيّة إذا كان بقصد الجزئيّة على الأقوى، بل وبقصد مطلق القرآنيّة على الأحوط. وإنّما احتطنا؛ لعدم وضوح نظر الروايات لمطلق القراءة ولو بقصد القرآنيّة.

2 ـ ورد في بعض النصوص العامّة والخاصّة ترجيح الذكر للمأموم في الصلاة الإخفاتيّة عند تركه للقراءة، ولا بأس به بالعنوان العام.

3 ـ يجب عند سماع قراءة الإمام في الجهريّة ولو همهمةً ترك القراءة.

4 ـ إنّ المأموم إذا لم يسمع في الصلاة الجهريّة حتى همهمة الإمام جاز له القراءة، من دون فرق بين قصد القرآنية أو القربة المطلقة أو الجزئية، عملاً بنصوص المجموعة الأولى.

5 ـ إذا شكّ أنّ ما يسمعه هو صوت الإمام أو لا، جازت له القراءة، للبراءة؛ إذ موضوع النهي هو سماع همهمة الإمام، فإذا شكّ في السماع فقد شكّ في توجّه النهي إليه، ومعه تجري البراءة بلا حاجة إلى الاستصحاب الذي ذكره بعضهم، نعم لو كانت الحالة السابقة سماعَ الهمهمة، ثم شكّ في استمرار السماع، جرى استصحاب بقاء السماع.

6 ـ حكم السيد الماتن بعدم الفرق في حال عدم سماع الهمهمة بين أن يكون ذلك بسبب بُعْدِ المأموم وكبر الجماعة أو لوجود مانع كالصمم ونحوه. والظاهر أنّ مستنده الإطلاقات والعمومات.

غير أنّ الشمول لمثل الصمم وما كان بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، غيرُ مفهوم، فإنّ المنصرَف هو عدم السماع نتيجة عوارض طارئة، لا لأنّه أساساً لا يسمع مثلاً، ولا أقلّ من الاحتياط.

 

في حكم إنصات المأموم لقراءة الإمام

7 ـ قالوا بأنّه لا يكفي في الأوليين من الجهريّة عند سماع قراءة الإمام مجرّد ترك القراءة، بل الأولى الإنصات والإصغاء لقراءته أيضاً؛ ويقصدون بذلك أنّه يجب ترك القراءة، بل أكثر من ذلك يستحبّ الإصغاء، ومن المعلوم أنّ الإصغاء يقع فوق ترك القراءة، فيكون أولى لا بملاحظة الحكم بل بملاحظة الفعل نفسه. واستندوا في ذلك إلى قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأعراف: 204).

والبحث هنا يقع في مقامين:

 

المقام الأوّل: في وجوب الإنصات لقراءة القرآن مطلقاً ولو خارج الصلاة

وهنا قالوا بأنّنا لو خُلينا والآية الكريمة تعيّنَ الحكم بالوجوب؛ لأنّها كرّرت الأمر مرّتين «فاستمعوا.. وأنصتوا..»، ولكنّ السيرة القائمة بين المتشرّعة في مجالسهم قد جرت على العكس، ومثل هذه السيرة لا يمكن أن يقال بأنّها مبنيّة على التسامح في أمرٍ واجب حتى من قبل أعلام المتشرّعة، فتكون كاشفةً عن ارتكاز متشرّعي بعدم وجوب الإنصات، وأنّ الحكم في الآية الكريمة أدبيٌّ وأخلاقي.

بل أضافوا بأنّنا حتى لو تركنا الارتكاز، أمكننا الأخذ ببعض النصوص هنا، ففي خبر زرارة مثلاً تمّ حصر الآية الكريمة بصلاة الفريضة، وأنّ المأموم حينما يسمع قراءة الإمام في صلاة الفريضة فعليه الإصغاء والاستماع. بل هذا هو الموجود في التراث التفسيري والفقهي السنّي، وهو قول جمهور فقهاء أهل السنّة، من اختصاص الآية بالصلاة وأمثالها، ولم يُنسب إلى الفقهاء المسلمين القول بوجوب الإنصات سوى ابن حمزة الطوسي، وهذا كلّه يوهن دلالة الآية على الوجوب في غير الصلاة.

وقد يناقش هذا كلّه؛ وذلك:

أوّلاً: إنّه لا يعلم قيام السيرة على عكس ذلك في عصر النصّ، وأمّا السيرة الآتية بعد ذلك فلعلّ سببها فتاوى الفقهاء وفهمهم للآية من خلال حصرها بصلاة الجماعة، عملاً بدلالة النصّ الحديثي على تفسيرها أو فهماً لها من خلال روايات أسباب النزول ونصوص المفسّرين الأوائل. وقد نُسب لغير واحد هذا الفهم الذي يحصر الآية بالصلاة أو خطبة الجمعة مثل عبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، والزهري، وعطاء، وعبيد الله بن أبي عمير، ومجاهد، وقتادة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والضحّاك، وإبراهيم، وعامر الشعبي، وابن عباس، وابن زيد، والجبائي وغيرهم. بل لعلّ مستندها تطبيق قواعد العسر والحرج كما ذكره بالفعل بعض فقهاء أهل السنّة.

ثانياً: إنّه ليس هناك إجماع إسلامي في المسألة، فالمنسوب إلى الأحناف القول بالوجوب، حتى أنّهم اختلفوا فيه هل هو وجوب عيني أو وجوب كفائي؟ فدعوى التوافق الإسلامي غير واضحة.

ثالثاً: إنّ الروايات التفسيريّة هنا ـ يضاف إليها بعض نصوص المفسّرين القدامى من التابعين، من تخصيص الآية بقراءة القرآن في خطبة الجمعة كما هو المنقول عن مجاهد ـ إن قصد منها مجرّد تطبيق الآية على مورد صلاة الجماعة، فلا بأس به ولكنّه لا يضرّ بإطلاقية دلالة الآية على ما هو خارج الصلاة، وأمّا إذا قصد منها حصر دلالة الآية الكريمة بصلاة الجماعة، فهذا غريب؛ فإنّه نوع من تخصيص الآية بالأكثر المستهجن عرفاً؛ لأنّه يخصّصها بالصلاة جماعة وفي خصوص الصلوات الجهريّة حين يسمع المأموم قراءة الإمام، وهذا غير متّسق مع دلالة ظاهر الآية الكريمة وتخصيصٌ لها بالأكثر عرفاً، لهذا نرتاب في أمر هذه الروايات لو قُصد بها ذلك.

وأمّا نصوص أسباب النزول، مثل خبر عَوْن بْن مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّة، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ فِي الصَّلَاةِ؛ إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ..» (سنن سعيد بن منصور 5: 182)، فهذه لا توجب تخصيص الآية؛ لأنّ نزول هذه الآية في هذا المورد يمكن أن يُفهم على أنّه قانون عامّ بلزوم الإنصات لقراءة القرآن، ومن ذلك المورد صلاة الجماعة، فلماذا يلزمنا حصر الآية بصلاة الجماعة نتيجة أسباب النزول هذه؟!

قد تقول: هذا معناه عدم اعتبار المورد مخصّصاً أو مقيّداً، مع أنّ الظاهر أنّ ثبوت المورد يمنع من جريان الإطلاق بالنسبة إلى غير المورد؛ إذ إنّ الإطلاق في مثل هذه الحال يواجه إشكالاً، وهذا مطابق لما هو مبنى السيّد الماتن، من أنّه إذا كان الكلام في مقام البيان من جهةٍ خاصّة، فلا تجري أصالة كونه في مقام البيان بالنسبة لسائر الجهات، وعليه، فإذا ثبت موردٌ للآية، فالشمول لما وراء المورد يقع على خلاف الأصل، فيحتاج إلى دليل، دون العكس، أي لا يُقال: إنّ الأصل هو الشمول، والتخلّي عن الشمول يحتاج إلى قرينة.

والجواب: هذا الكلام يصحّ في القدر المتيقّن من مقام التخاطب، والذي ذكر عدمَه الآخوند الخراساني بوصفه أحد مقدّمات الحكمة، لكن في موردنا لا يوجد حوار أصلاً، بل حالة خارجيّة، والنصّ جاء عاماً. ولا تنافي بين عموم النص وإرادة معالجة الحالة الخارجيّة، فهذا مثل التعليل بكبرى كليّة. نعم، إذا لم يكن النصّ يحمل بطبيعته روح التبيين بقاعدة كليّة، فالإشكال وارد، بل ربما يخطر في البال هنا أنّ الموارد المتعارفة في العصر النبويّ لسماع تلاوة القرآن، كانت هي الصلوات وخُطب الجمعة، وليست الحال كمثل أيّامنا هذه، والله العالم.

وأمّا ما نُسب إلى الجبائي المعتزلي في التفاسير المعتزليّة وبعض التفاسير الشيعيّة التي اعتمدت تفاسير المعتزلة ـ مثل تفسير التبيان للطوسي الذي اعتمد تفسير الرمّاني المعتزلي ـ من أنّه قال: يحتمل أن يكون أراد الاستماع إذا قرأ النبيّ‘ عليهم ذلك، فإنّه كان فيهم من المنافقين من لا يستمع، أو أنّه قال: إنها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا أو يتفهّموا.

فهو قابل للنقاش؛ وذلك أنّ هذا مجرّد احتمال لا تساعد عليه سياقات الآية الداخلية ولا الخارجيّة، ولا الشواهد التاريخيّة.

قد يقال: إنّه لو كان الاستماع لقراءة القرآن أمراً واجباً، للزم ظهور أسئلة بين المتشرّعة والأئمّة وكذا الفقهاء في العصور الأولى، ومع ذلك لا نجد شيئاً من هذا.

والجواب: إنّه توجد بعض الروايات الضعيفة الدالّة على ذلك مثل خبر زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها، وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع»، ومرسل مجمع البيان ـ ولعله عين خبر زرارة ـ قال: وروي عن أبي عبد الله، أنّه قال: «يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها»، وخبر عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله×، قال: قلت له: الرجل يقرأ القرآن أيجب على من سمعه الإنصات له والاستماع؟ قال: «نعم، إذا قرأ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع». بل وبغض النظر عن ذلك فإنّ وجود الآية الكريمة قد يكون كافياً لهم في فهم الوجوب هنا، فلا يحتاجون إلى سؤال.

مع ذلك، فإنّه إذا كان جمهور علماء الإسلام منذ القرن الأوّل يقولون بتخصيص الآية بالصلاة أو خطبة الجمعة، فلماذا لم تظهر نصوص واضحة قويّة من أهل البيت تدلّ على رفض هذا الفهم الخاطئ للآية الكريمة؟! الأمر الذي يشير إمّا إلى كونها خاصّة بالصلاة، أو إلى كونها دالّة على الاستحباب دون اللزوم، ما لم نقل بأنّ الانقسام كان موجوداً بين المسلمين كما يشير إليه رأي الأحناف.

والإنصاف أنّ الجزم بأحد الاحتمالات ـ الوجوب المطلق أو الوجوب الخاصّ في الصلاة أو الاستحباب ـ صعب، فالأحوط وجوباً الإنصات عند قراءة القرآن الكريم كما في مثل محافل قراءة القرآن وغير ذلك، بلا فرق بين المباشرة وآلات ضبط الصوت على أنواعها، والعلم عند الله.

 

المقام الثاني: في وجوب الإصغاء حال الصلاة

وهنا دلّت رواية زرارة المشار إليها على وجوب الإنصات في الجهريّة، بمعنى أن لا يشتغل بالذكر بل يوجِّه ذهنه وفكره إلى قراءة الإمام، لكن في المقابل دلّت رواية حميد بن المثنى على جواز الذكر، قال: كنت عند أبي عبدالله×، فسأله حفص الكلبي فقال: أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فادعو وأتعوّذ قال: «نعم فادعو»، وعليه فنحن أمام روايات آحاديّة متعارضة وغير حاسمة، فيفترض القول بعدم وجوب الإنصات في الصلاة إذا التزمنا بعدم وجوب كليّة الإنصات وفقاً لما تقدّم في المقام الأوّل، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي العام هو الإنصات.

([3]) هنا مجموعة نقاط:

 

النقطة الأولى: إدراك الإمام في الأخيرتين ونقد "فكرة القلب" التي قال بها الأحناف

إذا أدرك المأموم الإمام في الركعة الثالثة أو الرابعة، فالمعروف في الفقه الإمامي وجوب قراءة الحمد والسورة، ولا يجزيه التسبيح بدل الحمد كما هو مخيّر في الأخيرتين، وقد نقلوا أنّ أهل السنّة قالوا بفكرة القَلب، بمعنى أنّ الركعتين الأوليين للمأموم تنقلبان إلى الأخيرتين، وتحلّ محلّهما، ويتزحزح مكان الأوليين إلى مكان الأخيرتين، وعليه فيلزم المأموم في الأوليين ـ حيث صارتا أخيرتين ـ أن يكون مخيّراً بين الحمد والتسبيح، وفي الأخيرتين يكون ملزماً بقراءة الحمد. وقد نقل المحدّث البحراني في (الحدائق الناضرة 11: 246) عن المحقّق الحلّي أنّ فكرة القلب هي رأي أبي حنيفة وأتباعه، وأنّه قد جاءت روايات أهل البيت مؤكّدة على ردِّ فكرة القلب، حيث تكرّر في الروايات أنّ المكلّف لا يجوز له جعل بداية الصلاة آخرها، وهو ما خصّص له الحرّ العاملي البابَ السابع والأربعين من أبواب صلاة الجماعة.

ومن الروايات هنا خبر عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام وهي له الأولى؟ قال: «يتجافى، ولا يتمكّن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام، وهي له الثانية، فليلبث قليلاً إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد، ثم يلحق بالإمام». قال: وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: «اقرأ فيهما؛ فإنّهما لك الأولتان ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها»، وكذلك خبر زرارة، عن أبي جعفر، قال: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه، جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة مما أدرك خلف إمام في نفسه بأمّ الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامّةً أجزأته أمّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما؛ لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها بالأوليتين في كلّ ركعة بأمّ الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة..»، وغيرها من النصوص العديدة.

وعليه، فعملاً بهذه النصوص، التي هي على مقتضى الأصل والقاعدة، وخلافاً للأحناف وما نُسب إليهم، يلتزم بما ذكره الماتن هنا.

 

النقطة الثانية: حالة استلزام القراءة فواتَ المتابعة

إذا لزم من قراءة الحمد والسورة في الركعتين الأخيرتين للإمام، فواتُ المتابعة، اقتُصر على الحمد، وإذا لزم من إتمام نفس الحمد ذلك انفرد.

ودليلهم هنا:

أمّا بالنسبة لترك السورة بعد الحمد، فالروايات والتي منها ما تقدّم؛ حيث ورد فيها التصريح بالاقتصار على الحمد في الحالة المذكورة، وعلى مبنانا لو أمكنه قراءة ولو آية واحدة بعد الحمد فالأحوط وجوباً الإتيان بها.

وأمّا بالنسبة لعدم القدرة على إكمال الفاتحة، فقد ذكر السيد اليزدي في العروة ثلاثة احتمالات:

أ ـ إتمام الحمد وإن لزم فوات المتابعة في الركوع، ويلتحق به في السجود.

ب ـ قطع الحمد والمتابعة في الركوع.

ج ـ الانفراد.

وقد اختار السيد الماتن هنا الثالث، فحكم بلزوم الانفراد، بل بحصوله قهراً بلا حاجة إلى قصد، إذ كلّ واحد من الاحتمالين الأوّلين يحتاج إلى دليل، فإنّه وإن كان لدينا دليل وجوب القراءة الذي يقول: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، من حيث إنّه مطلق يدلّ على وجوب القراءة حتى في موردنا، ولكنّه معارَض بدليل وجوب المتابعة الدالّ على أنّ متابعة الإمام واجبة في جميع الحالات بما في ذلك هنا، وعليه فلا يمكن إتمام الحمد لوجوب المتابعة، ولا المتابعة لوجوب إتمام الحمد، فيتعيّن الانفراد القهري، وسقوط الأمر بالجماعة؛ إذ لا يمكن امتثاله.

ونوقش بأنّ دعوى وجود إطلاقين أحدهما يأمر بالمتابعة والآخر يأمر بالقراءة، غير صحيحة؛ إذ من جهة المتابعة لا يوجد دليل لفظي يدلّ على وجوبها ليتمسّك بإطلاقه، بل غاية ما يدلّ على وجوب المتابعة إمّا التسالم بين الفقهاء أو استبطان مفهوم الائتمام والجماعة لذلك؛ وكلاهما دليل لبّي يؤخذ فيه بالقدر المتيقن، وهي المتابعة التي لا يلزم منها فوات القراءة. وهكذا الأمر بالنسبة للقراءة فإنّه لا يدلّ دليل بإطلاقه على وجوب الفاتحة، وما يتداول على الألسن من أنّه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، هو من مصاديق قاعدة "ربّ مشهور لا أصل له"، فإنّ دليل وجوب الحمد في الصلاة هو إمّا التسالم، ويقتصر فيه على المتيقّن، أو بعض النصوص التي لا إطلاق فيها.

ولكنّ الإنصاف أنّ ثبوت وجوب الحمد في الصلاة مما لا مجال للشكّ فيه ولو كانت في هذا المورد ساقطة ـ مع أنّه مورد كثير الابتلاء ـ لظهر وبان، وليس بأيدينا سوى رواية معاوية بن وهب الدالّة على قضاء القراءة في آخر الصلاة، لهذا فالاحتياط اللازم يتطلّب الانفراد فيكون قد حصل على ثواب الجماعة وصحّت صلاته في الوقت نفسه، فما ذهب إليه السيد الماتن موافق للاحتياط، إلا على ما سيأتي ـ عند التعليق على (المسألة رقم: 815) ـ من أنّه إذا تأخّر عن الإمام حتى أكمل الفاتحة وآية، فإنّه يصدق عليه أنّه تابع الإمام في مجموع الصلاة.

 

النقطة الثالثة: انتظار الإمام حتى يركع في الأخيرتين للالتحاق به

احتاط الماتن استحباباً بعدم الدخول في الجماعة إلا بعد أن يدخل الإمام في الركوع، حيث إنّه آنذاك تسقط القراءة جزماً، فينتظر المأموم الإمام إلى أن يركع.

ومبرّر احتياطه أنّه وإن كان الأفضل له أن يدخل في الجماعة قبل الركوع كي يدرك مقداراً أكبر من الجماعة، إلا أنّ شبهه لزوم الانفراد عند عدم إمكان إتمام الفاتحة يجعل الالتحاق في الركوع أحوط في مقام اليقين ببراءة الذمة وإن كان خلاف الأفضل من ناحية ترك الالتحاق بالجماعة في فترة يمكن الالتحاق فيها.