hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الصلوات المستحبّة ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 11/1/2025 تاريخ النشر: 11/6/2025
270
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(28 ـ 10 ـ 2025م)

 

خاتمة في بعض الصلوات المستحبّة

منها: صلاة العيدين، وهي واجبة في زمان الحضور مع اجتماع الشرائط، ومستحبة في عصر الغيبة، جماعة وفرادى، ولا يعتبر فيها العدد ولا تباعد الجماعتين، ولا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة([1]).

وكيفيتها: ركعتان يقرأ في كلّ منهما الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ في الأولى «والشمس» وفي الثانية «الغاشية» أو في الأولى «الأعلى» وفي الثانية «والشمس»([2])، ثم يكبّر في الأولى خمس تكبيرات، ويقنت عقيب كلّ تكبيرة، وفي الثانية يكبّر بعد القراءة أربعاً، ويقنت بعد كلّ واحدة على الأحوط في التكبيرات والقنوتات([3]). ويجزي في القنوت ما يجزي في قنوت سائر الصلوات، والأفضل أن يدعو بالمأثور، فيقول في كلّ واحد منها: «اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم ذخراً ومزيداً، أن تصلّي على محمّد وآل محمد، كأفضل ما صلّيت على عبد من عبادك، وصلّ على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إنّي أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون وأعوذ بك من شرّ ما استعاذ بك منه عبادك المفلحون»([4])، وفي بعض الروايات غير ذلك. ويأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، والأحوط الإتيان بهما([5])، ولا يجب الحضور عندهما، ولا الإصغاء، ويجوز تركهما في زمان الغيبة وإن كانت الصلاة جماعة.

مسألة 959: لا يتحمّل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة.

مسألة 960: إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة عليها إشكال، والظاهر بطلانها بالشك في ركعاتها([6])، ولزوم قضاء السجدة الواحدة إذا نسيت، والأولى سجود السهو عند تحقّق موجبه([7]).

مسألة 961: إذا شكّ في جزء منها وهو في المحلّ أتى به، وإن كان بعد تجاوز المحلّ مضى.

مسألة 962: ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة، بل يستحبّ أن يقول المؤذّن: الصلاة ـ ثلاثاً([8]).

مسألة 963: وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال([9])، والأظهر سقوط قضائها لو فاتت([10]). ويستحبّ الغسل قبلها، والجهر فيها بالقراءة، إماماً كان أو منفرداً، ورفع اليدين حال التكبيرات، والسجود على الأرض والإصحار بها إلا في مكّة المعظمة فإنّ الإتيان بها في المسجد الحرام أفضل، وأن يخرج إليها راجلاً حافياً لابساً عمامة بيضاء مشمّراً ثوبه إلى ساقه، وأن يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر، وبعد عوده في الأضحى مما يضحّي به إن كان([11]).

________________________

أوّلاً: صلاة العيدين

([1]) تعرّض الماتن هنا لعدّة أمور، وهي:

 

1 ـ أصل الحكم في صلاة العيدين بين الوجوب والاستحباب

اختلف فقهاء الإسلام في حكم صلاة العيدين، فقال الأحناف بوجوبها العيني، وهو المنقول روايةً عن ابن حنبل أيضاً، ومال إليه ابن تيمية وابن قيّم الجوزيّة والشوكاني وغيرهم. وقالت المالكية والشافعيّة باستحبابها المؤكّد، وبذلك قال أيضاً داود الظاهري وغيره، فيما قال الحنابلة بوجوبها على نحو الكفاية، ووافق على هذا الرأي عدّةٌ متفرّقون من فقهاء سائر المذاهب أيضاً.

والتحقيق أنّ إثبات الوجوب من النصوص المنقولة عن أهل البيت ليس سهلاً، لكنّه ممكن، وأمّا عند أهل السنّة فيكاد الدليل الأساس فيها أن يكون هو مواظبة النبيّ عليها، لهذا نرى وجوب صلاة العيدين، وعمدة الدليل هو نصوص أهل البيت النبويّ، مؤيّدة بسيرة المسلمين بمختلف طبقاتهم.

 

2 ـ نقد القول بالتفريق في حكم صلاة العيدين بين الحضور والغيبة

قلنا بأنّ أصل صلاة العيدين وقع محلّ بحث بين فقهاء الإسلام، وليس هذا موضع حديثنا هنا، بل حديثنا في التمييز الموجود في الفقه الإمامي بالخصوص بين عصر الحضور وعصر الغيبة، ولو على قانون أنّ لها من الأوّل حكمين لحالتين أو أنّ لها حكماً واحداً طرأ عليه حكمٌ آخر بسبب الغيبة، ففي عصر الحضور تُعتبر صلاة العيدين واجبة ضمن شروطها، بينما هي مستحبّة في عصر الغيبة في الرأي السائد المشهور جداً بين متأخّري فقهاء الإماميّة على الأقلّ، على تفصيلات بينهم أنّه يمكن الإتيان بها فرادى وجماعة في عصر الغيبة، أو يتعيّن الإتيان بها فرادى احتياطاً كما ذهب إليه بعضٌ، أو يلزم الإتيان بها جماعة كذلك.

وفي العصر الحديث، ذهب جماعةٌ من الفقهاء ـ فيما لعلّه يظهر من كلماتهم وفتاويهم ـ إلى أنّ العبرة بالإمام الشرعيّ العادل، لا بخصوص الإمام المنصوص، فراجع كلمات أمثال السيد محمّد باقر الصدر، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر، والسيد محمّد حسين فضل الله، والسيّد كاظم الحائري، والشيخ حسين علي المنتظري، بل لعلّ عبارة الشيخ المنتظري في بعض كتبه أوسع من دائرة وجود إمام عادل. كما احتاط وجوباً الشيخ بيات الزنجاني بإقامتها بحضور الإمام العادل. فيما رأى الشيخ محمّد الصادقي الطهراني أنّ صلاة العيدين واجبة مطلقاً جماعةً مع وجود إمام جماعةٍ حاوٍ لشروط إمامة الجماعة، فإن لم يصلّها المكلّفُ جماعةً وجبت عليه فرادى، دون أن يشير الطهرانيّ لا من قريب ولا من بعيد لفكرة إمام المسلمين المنصوص أو العادل.

والأقرب بالنظر أنّه لو قلنا بوجوب صلاة العيدين من حيث المبدأ، فإنّه لا فرق في حكمها هذا بين عصر الحضور أو الغيبة، فهي واجبة مطلقاً، ولو قلنا باستحبابها فتكون مستحبّةً في عصرَي الحضور والغيبة كذلك. نعم هي من الجماعات الكبرى المنشودة في الشرع، بحيث يجتمع الناس لها.

والذي دفع فقهاء الإماميّة إلى ذلك هو بعض النصوص التي شرَطَتها بالإمام، وقد فهم الفقهاء من مثل جملة: mلا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمامn أنّ المراد من الإمام فيها هو إمام الأصل، لا إمام الجماعة، ويقصدون بإمام الأصل الإمام المعصوم أو المنصوب من قبله لهذا الأمر، ممّا يفرض أن يكون الإمام حاضراً وليس غائباً. ومن جملة شواهدهم على ذلك انصراف اللفظ إلى الإمام الخاصّ؛ لتداوله في هذا المعنى، وكذلك (ال) التعريف الداخلة على كلمة "الإمام"؛ إذ لو لم يكن المراد هو الإمام الخاص لما كان لها معنى أو ضرورة.

وقد سبق لي أن ناقشتُ باختصار بعض زوايا هذه الفكرة التي طرحوها في صلاة العيدين، وقلتُ بأنّ فهمهم هذا يواجه جملة من المشكلات، وأنّ كلمة mإمامn إن لم تكن ظاهرة في إمام الجماعة ـ بحيث يكون المعنى هو اشتراط الجماعة في صلاة العيدين ما أمكن، كما هو المفهوم من مثل عنوان الباب في mتفصيل وسائل الشيعةn حيث وضع هذه الروايات في هذا السياق ـ فهي ملتبسة جدّاً، وغير ظاهرة إطلاقاً في الإمام المنصوص. ومن راجَع مختلف روايات أبواب صلاة العيدين وتفاصيلها، تتكرّس عنده هذه القناعة، وليس يقابلها إلا رواية أو اثنتين آحاديّتين، قد ترجّحان فرضيّة المشهور احتمالاً.

ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد بالإمام في الروايات هو إمام المسلمين، فإنّه لا دليل على كونه الإمام المنصوص بالضرورة وحصراً، بل يشمل كلّ من ثبتت له إمامة المسلمين الشرعيّة، فيكون ما ذهب إليه أمثال السيد باقر الصدر، من الشمول للإمام العادل، في محلّه، بلا فرقٍ بين عصر الحضور وعصر الغيبة.

ولمزيد اطّلاع على عمدة الأدلّة والمناقشات المرتبطة بهذا الموضوع، راجع كتابنا: (إضاءات 3: 374 ـ 378)، كما بحثنا في فقه الجهاد عن شرط حضور النبيّ أو الإمام المنصوص في الجهاد، وحلّلنا هذا الأمر أيضاً بالتفصيل، فراجع كتابنا: (فقه الحرب والسلم في الشريعة الإسلاميّة 1: 247 ـ 269).

 

3 ـ صلاة العيدين جماعة وفرادى

الأقرب الأحوط أنّ الأصل فيها أنّها جماعة، فإن لم يتسنّ ذلك صُلّيت فرادى على الأحوط وجوباً، إذ هذا ما يفهم من نصوص الحاجة لإمامٍ فيها، وغير ذلك أيضاً، مضافاً لتأييده بالسيرة المتصلة عبر تاريخ المسلمين، والروايات دلّت على إمكان الإتيان بها فرادى لو لم يخرج إلى جماعة المسلمين، لكن تعارضها نصوص أخرى، لهذا نقول بأنّ الأصل فيها والقدر المتيقّن من الإجزاء هو الجماعة، فإن عصى أو لم يتمكّن فالأحوط وجوباً أن يأتي بها فرادى.

وربما يقال: إنّ التعارض هنا قابل للرفع، وإنّ الروايات الدالّة على جواز الإتيان فرادى يمكن جمعها مع الروايات الدالّة على لزوم الجماعة؛ وذلك أنّ بعض الروايات التي دلّت على جواز الصلاة فرادى قد ورد فيها في نفس السياق جملة: «لا صلاة إلا مع الإمام»، فاجتماع هاتين العبارتين في رواية واحدة يرفع التعارض؛ إذ يظهر أنّهما ناظرتان إلى بعضهما، فيفهم العرف من الحكم بجواز الفرادى مع قوله: «لا صلاة إلا مع الإمام» أنّه في صورة إمكان الجماعة لا تكون الصلاة فرادى مشروعة، وأمّا مع عدم الإمكان فهي مشروعة، ومن أمثلة ذلك خبر سماعة عن أبي عبد الله× قال: «لَا صَلَاةَ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ صَلَّيْتَ وَحْدَكَ فَلَا بَأْس»، وخبره الآخر عن الصادق× قال: قلت له: متى يُذبح؟ قال: «إِذَا انْصَرَفَ الْإِمَامُ». قلت: فإذا كنتُ في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة؟ فقال: «إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ». وقال: «لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَحْدَكَ، وَلَا صَلَاةَ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ»، مع احتمال كون الذيل هو عين روايته الأولى ضمّت إلى الرواية الأخرى.

 

4 ـ عدم أخذ شروط صلاة الجمعة الأخرى في صلاة العيدين

وهذا هو الصحيح؛ لعدم قيام دليل على ذلك إطلاقاً، بل بعض الروايات قد يُفهم منه العكس، والأمر واضح.

لكنّ المفهوم من النصوص أو المستوحى هو أن تكون الجماعة جامعة، لا مطلق الجماعة، ما قد يوحي بعدم تشتّت صلوات العيد إلى جماعات صغيرة متقاربة، والاحتياط حسن.

([2]) الأفضلية بسبب ورود ذلك في ثلاث أو أربع روايات، اثتنان للصيغة الأولى، والثالثة للثانية، لكنّ الروايات لا تشير للأفضليّة بل ظاهرها التعيين، عدا خبر جميل الذين أشار لهاتين السورتين، ثم قال: «وأشباههما». والأحوط استحباباً الأخذ بالكيفيّة الأولى، وهي سورة الشمس في الركعة الأولى، والغاشية في الثانية، فإنّ روايتيها أصحّ سنداً.

([3]) بل على الأقوى في التكبيرات لكثرة النصوص مع طرح الشاذّ، وعلى الأحوط استحباباً في القنوتات؛ لقلّة الروايات في ذلك وضعف أسانيد أكثرها.

([4]) لم تثبت هذه الصيغة لضعف إسناد روايتها، وهي رواية محمّد بن عيسى بن أبي منصور.

([5]) كون الخطبتين بعد الصلاة لا قبلها هو الصحيح، وأمّا الجلسة الخفيفة فدليلها آحادي منفرد، وأمّا وجوب الخطبتين، فلم يثبت؛ لأن النصوص بصدد تبيين الخطبتين وموضعهما لا بصدد بيان الوجوب، والاحتياط حسن.

([6]) لكونها ثنائية، لكن تقدّم منّا التعليق على موضوع بطلان الثنائية في مباحث الشكّ والخلل، فراجع.

([7]) بل هو الأقوى؛ لإطلاق الأدلّة.

([8]) عدم ثبوت أذان ولا إقامة في صلاة العيد أمرٌ واضح، دلّت عليه النصوص العديدة ـ عند الفريقين ـ غير المعارَضة بشيء، أمّا النداء ثلاثاً: «الصلاة»، فدليله آحادي قليل، فلم يثبت.

([9]) هذا هو القدر المتيقّن، والأكثر يقيناً هو بعد ارتفاع الشمس قليلاً، لكنّ تعيينه بشكل قطعي بمعنى نفي غيره مشكلٌ، لهذا نقتصر عليه بناء على الاحتياط الوجوبي.

([10]) كما تقدّم الحديث عن ذلك في بحث قضاء الصلاة، في (المسألة رقم 720)، فراجع.

 

5 ـ ما ثبت وما لم يثبت من مستحبّات صلاة العيدين

([11]) هذه المستحبات لم تثبت بعنوانها في صلاة العيدين، عدا:

1 ـ أن يأكل في عيد الفطر قبل الخروج وفي الأضحى بعده.

2 ـ الغسل قبل صلاة العيد.

3 ـ الإصحار بها إلا في مكّة.

 

ثانياً: وقفة مع بعض الأعياد الأخرى المتداولة وطقوسها

هذا، ولا بأس بالإشارة ـ في ختام بحث صلاة العيدين ـ لبعض الأعياد المتداولة التي وقع فيها ـ أو في بعض مظاهرها ـ بعض الكلام، ونختار منها:

 

1 ـ عيد فرحة الزهراء

"فرحة الزهراء أو عيد الزهراء أو يوم رفع القلم أو الغدير الثاني أو يوم فرح الشيعة أو.." عنوانٌ يراد به عند كثيرين بيانُ اليومِ الذي قُتل فيه عمر بن الخطاب، ولهذا يسمّى بالفارسيّة (عُمَركُشان أو عمركشون). وهو يومٌ مختلَف فيه، لكنّ الكثيرين من الشيعة يعتبرونه التاسع من ربيع الأوّل من كلّ عام، ويقوم بعض الناس بإجراء بعض المراسم الاحتفاليّة في هذا اليوم، وتتضمّن بعض أشكال السخريّة والضحك والتفكّه وبعض الأنشطة التمثيلية والتنكّرية التي تشير لعمر بن الخطاب ولغيره أو لمقتله أو لنحو ذلك ممّا أجد أنّ الأفضل عدم ذكره والتعرّض له.

لكنّ وجهة نظر أخرى كان أشار إليها من قبل غيرُ واحدٍ ـ منهم السيد ابن طاوس، بل لعلّه أوّلهم ـ اعتبرت أنّ الاحتفاليّة هي لتنصيب الإمام المهدي إماماً بعد وفاة أبيه العسكري. ومؤخّراً حاولت بعض الجهات الاحتفاظ بأصل الاحتفال في هذا اليوم، لكنّها سعت لتغيير منطلقه من "فرحة الزهراء" إلى حفل "تتويج الإمام المهدي"، على أساس أنّ الثامن من ربيع الأوّل هو يوم وفاة الإمام الحسن بن علي العسكري، ومن ثمّ فيكون هذا اليوم (التاسع من ربيع) يوماً احتفاليّاً بتنصيب الإمام المهدي إماماً. وقد ربط بعضهم ـ مثل الشيخ جواد التبريزي ـ بين الأمرين بالقول بأنّ تنصيب الإمام المهدي مرتبطٌ بفرحة الزهراء؛ كونه هو المنتقم من أعداء آل محمّد عليهم الصلاة والسلام.

كما كانت هناك محاولات تفسيريّة أخرى للموضوع تقول بأنّ المقتول في هذا اليوم هو عمر بن سعد، ومن ثمّ فهناك معنى للاحتفال بمقتل أحد أعداء آل محمّد، أو أنّ هذا التاريخ هو يوم ورود رأس ابن سعد من المدينة إلى الكوفة، أو أنّه اليوم الذي ظهرت فيه بوادر نجاح حركة المختار الثقفي. وبعضهم يرى أنّ التاسع والعاشر من ربيع الأوّل هما أيّام سرور؛ انطلاقاً من أنّهما يوم اقتران الرسول الأكرم بالسيدة خديجة، والذي نتج عنه ولادة السيدة الزهراء، إلى غير ذلك مما قيل.

وقد صنّفت في موضوع فرحة الزهراء كتبٌ ومقالات مستقلّة ينتمي بعضها لمجال كتب المطاعن، مثل كتاب فرحة الزهراء لأبي علي الإصفهاني. ويُطلق بعضهم ـ مثل الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان ـ على هذا اليوم عنوان "عيد البَقْر"، ولعلّه من بقر البطون، في إشارة لقتل عمر بن الخطاب فيه أو لقتل أعداء أهل البيت على يد حركة المختار أو غير ذلك، والله العالم.

وقد وقع خلافٌ تاريخي في اليوم الذي قُتل فيه عمر بن الخطاب، وهو خلافٌ شيعي ـ شيعي أيضاً، فقال بعضهم بأنّه التاسع من ربيع الأوّل، وقال آخرون بأنّه الرابع والعشرون من ذي الحجّة، وقيل: السادس والعشرون منه، وقيل: التاسع والعشرون منه، وقيل غير ذلك.

ويعتبر بعضهم أنّ لبس السواد ومظاهر الحزن يمتدّ من بداية شهر محرّم الحرام وحتى التاسع من ربيع الأوّل فهو يوم نزع السواد. وإلى اليوم ما تزال بعض المجتمعات في بعض المناطق تعتبر أنّ حلول شهر ربيع الأوّل هو شروع فرحة الزهراء والذي يمتدّ بمراسمه حتى مولد النبيّ الأكرم؛ اعتماداً على نهاية أيّام الحزن.

ويرى بعضٌ ـ من عامّة الناس أو ربما من غيرهم ـ أنّ القلم مرفوعٌ عن المؤمنين في هذا اليوم، فيمكنهم فعل المعاصي أو على الأقلّ صغيرها، ويكون ذلك مغفوراً لهم.

ويختلف الناس في تاريخ هذه المراسم، ففيما يعتبرها بعضهم أتت بعد العصر الصفوي، يرى آخرون أنّها ظهرت في العصر الصفوي، فيما يرجّح فريقٌ ثالث ظهورها الأقدم في القرن السابع الهجري، وأنّه أشار إليها ابن طاووس في كونها عادة لبعض الإماميّة من غير العرب في زمانه، لكنّها انتشرت في العصر الصفوي وما بعده. بل يرى جماعة أنّ ما كان يحتفل له قديماً هو مقتل عمر بن سعد فيما حصل اشتباه لاحقاً فتمّ تصوّر أنّه مقتل عمر بن الخطاب، وشاع هذا الأمر في القرون الأخيرة. لكنّ بعض الباحثين في مجال التاريخ يرى أنّ ظهور هذا الاحتفال كان في العصر البويهي في ظلّ النزاعات الطائفيّة الدامية في بغداد وغيرها. ويرى آخرون أنّ بعض مخطوطات النصيريّة تكشف أنّهم كانوا يرون هذا اليوم من الأعياد.

وقد كانت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران قد منعت، ومنذ زمن السيد روح الله الخميني، احتفاليّات فرحة الزهراء؛ اعتماداً على كونها مخلّة بالشريعة أو بالآداب أو بالوحدة الإسلاميّة، وعُرف عن وزير الداخليّة الإيراني آنذاك السيد علي أكبر محتشمي (2021م) مواجهته الشديدة لهذه المراسم. وكان مرقد أبي لؤلؤة (المعروف ببابا شجاع الدين)، وهو عندهم قاتل عمر بن الخطّاب.. كان مرقده في كاشان أحد الأمكنة الرئيسيّة لإقامة هذه الاحتفاليّات، غير أنّ هذا المرقد ما لبث أن أُغلق عام 2007م. ومنذ منع هذه الاحتفاليّات علناً في إيران تحوّلت إلى مراسم سريّة في البيوت وتجمعاٍت مغلقة، ومع ذلك كانت الدولة بين الحين والآخر تقوم بمهاجمتها حتى صارت المشاركة في هذه الاحتفاليّات محدودة جداً، ومقتصرة على من يعرفه صاحب المكان.

وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، انتقد بعض المراجع والفقهاء بعض الأمور غير اللائقة التي تقع في احتفاليّات فرحة الزهراء، كما انتقدوا فكرة رفع القلم. ومن هؤلاء الفقهاء: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ لطف الله الصافي، والشيخ جواد التبريزي، والعديد من الفقهاء المعاصرين.

وعلى أيّة حال، فنص الرواية هو الآتي ـ وفقاً لأحد المصادر ـ: «ما نقله الشيخ الفاضل عليّ بن مظاهر الواسطي، عن محمّد بن العلا الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي، قال: تنازعنا في أمر ابن الخطّاب فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمي صاحب العسكر× بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغول بعياله؛ فإنّه يوم عيد. فقلنا: سبحان الله! الأعياد عند الشيعة أربعة: الأضحى والفطر ويوم الغدير ويوم الجمعة. قالت: فإنّ أحمد يروي عن سيّده أبي الحسن علي بن محمّد العسكري× أنّ هذا اليوم يوم عيد، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم. قلنا: فاستأذني لنا بالدخول عليه وعرّفيه بمكاننا. فدخلت عليه وأخبرته بمكاننا، فخرج إلينا، وهو متّزر بمئزر له، محتضن لكسائه يمسح وجهه، فأنكرنا ذلك عليه، فقال: لا عليكما، فإنّي كنت اغتسلت للعيد. قلنا: أو هذا يوم عيد؟ وكان ذلك اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل. قال: نعم، ثمّ أدخلنا داره وأجلسنا على سرير له، وقال: إنّي قصدت مولانا أبا الحسن العسكري× مع جماعة من إخوتي بسرّ من رأى كما قصدتماني، فأستأذنّا بالدخول عليه في هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، وسيّدنا قد أوعز إلى كلّ واحد من خدمه أن يلبس ما له من الثياب الجدّد، وكان بين يديه مجمرة وهو يحرق العود بنفسه. قلنا: بآبائنا أنت وأُمّهاتنا يا ابن رسول الله، هل تجدّد لأهل البيت فرح؟ فقال: وأيّ يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم، ولقد حدّثني أبي أنّ حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل، على جدّي رسول الله‘، قال: فرأيت سيّدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن والحسين يأكلون مع رسول الله‘ ورسول الله يتبسّم في وجوههم، ويقول لولديه الحسن والحسين: كُلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم الذي يقبض الله فيه عدوّه وعدوّ جدّكما ويستجيب فيه دعاء أُمّكما. كُلا فإنّه اليوم الذي فيه يقبل الله أعمال شيعتكما ومحبيكما، كُلا فإنّه اليوم الذي يصدق فيه قول الله تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾، كُلا فإنّه اليوم الذي تكسّر فيه شوكة مبغض جدّكما، كُلا فإنّه اليوم الذي يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقّهم، كُلا فإنّه اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباء منثوراً، قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله، وفي أُمّتك وأصحابك من ينتهك هذه الحرمة؟ فقال‘: يا حذيفة، جبتٌ من المنافقين يترأس عليهم، ويستعمل في أُمّتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويحمل على عاتقه درّة الخزي، ويصدّ عن سبيل الله، ويُحرّف كتابه، ويُغيّر سنّتي، ويشتمل على إرث ولدي، وينصب نفسه عَلَماً، ويتطاول عَلَيّ من بعدي، ويستحلّ أموال الله من غير حلّه، وينفقها في غير طاعته، ويكذّب أخي ووزيري، وينحّي ابنتي عن حقّها، فتدعو الله عليه ويستجيب دعائها في مثل هذا اليوم. قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله، فَلِمَ لا تدعو الله ربّك عليه ليهلكه في حياتك؟ فقال: يا حذيفة، لا أُحبّ أن أجترأ على قضاء الله تعالى، لما قد سبق في علمه، لكنّي سألت الله أن يجعل اليوم الذي يقبض فيه له فضيلة على سائر الأيّام، ليكون ذلك سنّة يستنّ بها أحبّائي وشيعة أهل بيتي ومحبّوهم. فأوحى الله إليّ جلّ ذكره أن: يا محمّد، كان في سابق علمي أن تَمَسَّك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي، الذين نصحتهم وخانوك، ومحضتهم وغشّوك، وصافيتهم وكاشحوك، وصدقتهم وكذّبوك، وأنجيتهم وأسلموك، فأنا آليت بحولي وقوّتي وسلطاني لأفتحنّ على روح من يغصب بعدك عليّاً حقّه ألف باب من النّيران من أسفل الفيلوق، ولأصلينّه وأصحابه قعراً يشرف عليه إبليس فيلعنه، ولأجعلنّ ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنّهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنّم زرقاً كالحين أذلّة خزايا نادمين، ولأخلدنّهم فيها أبد الآبدين. يا محمّد، لن يرافقك وصيّك في منزلتك إلاّ بما يمسّه من البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجترئ عَلَيّ، ويبدّل كلامي، ويشرك بي، ويصدّ النّاس عن سبيلي، وينصب نفسه عجلاً لأُمّتك، ويكفر بي في عرشي. إنّي قد أمرت سبع سماواتي لشيعتكم ومحبّيكم أن يتعيّدوا في هذا اليوم الذي أقبضه فيه إليّ. وأمرتهم أن ينصبوا كرسيّ كرامتي حذاء البيت المعمور ويثنوا عَلَيّ ويستغفروا لشيعتكم ومحبّيكم من ولد آدم، وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلّهم ثلاثة أيّام من ذلك اليوم لا يكتبون شيئاً من خطاياهم كرامة لك ولوصيّك، يا محمّد، إنّي قد جعلت ذلك اليوم عيداً لك ولأهل بيتك ولمن تبعهم من شيعتهم، وآليت على نفسي بعزّتي وجلالي وعلويّ في مكاني لأحبونّ من يعيّد في ذلك اليوم محتسباً ثواب الخافقين في أقربائه وذوي رحمه، ولأزيدنّ في ماله إن وسّع على نفسه وعياله فيه، ولأعتقن من النّار من كلّ حول في مثل ذلك اليوم ألفاً من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلنّ سعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً وأعمالهم مقبولة. قال حذيفة: ثمّ قام رسول الله‘ إلى أُمّ سلمة فدخل ورجعت عنه وأنا غير شاكّ في أمر الشّيخ حتّى ترأس بعد وفاة النّبي‘ وأعاد الكفر، وارتدّ عن الدّين، وشمّر للملك، وحرّف القرآن، وأحرق بيت الوحي، وأبدع السنن، وغيّر الملّة، وبدّل السنّة، وردّ شهادة أمير المؤمنين×، وكذّب فاطمة، واغتصب فدكاً، وأرضى المجوس واليهود والنصارى، وأسخط قرّة عين المصطفى، ولم يرضهم، وغيّر السنن كلّها، ودبّر على قتل أمير المؤمنين×، وأظهر الجور، وحرّم ما أحلّ الله وأحلّ ما حرّم الله، وألقى إلى النّاس أن يتّخذوا من جلود الإبل دنانير، ولطم حرّ وجه الزكيّة، وصعد منبر الرسول‘ غصباً وظلماً، وافترى على أمير المؤمنين وعانده وسفّه رأيه. قال حذيفة: فاستجاب الله دعاء مولاتي على ذلك المنافق وأجرى قتله على يد قاتله ـ رحمه الله ـ فدخلت على أمير المؤمنين× لأُهنّئه بقتله ورجوعه إلى دار الانتقام، فقال لي: يا حذيفة، أتذكر اليوم الذي دخلت فيه على رسول الله‘ وأنا وسبطاه نأكل معه فدلّك على فضل ذلك اليوم الذي دخلت عليه فيه؟ قلت: بلى يا أخا رسول الله. فقال: هو والله هذا اليوم الذي أقرّ الله به عين آل الرسول، وإنّي لأعرف لهذا اليوم اثنين وسبعين إسماً. قال حذيفة: فقلت: يا أمير المؤمنين، أُحبّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم. فقال: هذا يوم الاستراحة، ويوم تنفيس الكربة، ويوم العيد الثاني، ويوم حطّ الأوزار، ويوم الخيرة، ويوم رفع القلم، ويوم الهدو، ويوم العافية، ويوم البركة، ويوم الثأر، ويوم عيد الله الأكبر، ويوم إجابة الدعاء، ويوم الموقف الأعظم، ويوم التوافي، ويوم الشرط، ويوم نزع السواد، ويوم ندامة الظالم، ويوم انكسار الشوكة، ويوم نفي الهموم، ويوم القنوع، ويوم عرض القدرة، ويوم التصفّح، ويوم فرح الشيعة، ويوم التوبة، ويوم الإنابة، ويوم الزكاة العظمى، ويوم الفطر الثاني، ويوم سيل الشعاب، ويوم تجرّع الدقيق، ويوم الرضا، ويوم عيد أهل البيت، ويوم ظفر بني إسرائيل، ويوم قبول الأعمال، ويوم تقديم الصدقة، ويوم الزيارة، ويوم قتل النفاق، ويوم الوقت المعلوم، ويوم سرور أهل البيت، ويوم الشهود، ويوم القهر للعدوّ، ويوم هدم الضلالة، ويوم التنبيه، ويوم التصريد، ويوم الشهادة، ويوم التجاوز عن المؤمنين، ويوم الزهرة، ويوم التعريف، ويوم الاستطابة، ويوم الذهاب، ويوم التشديد، ويوم إبتهاج المؤمن، ويوم المباهلة، ويوم المفاخرة، ويوم قبول الأعمال، ويوم التبجيل، ويوم إذاعة السرّ، ويوم النصرة، ويوم زيادة الفتح، ويوم التودّد، ويوم المفاكهة، ويوم الوصول، ويوم التذكية، ويوم كشف البدع، ويوم الزهد، ويوم الورع، ويوم الموعظة، ويوم العبادة، ويوم الاستسلام، ويوم السلم، ويوم النحر، ويوم البقر.

قال حذيفة: فقمت من عنده وقلت في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير وما أرجو به الثواب إلاّ فضل هذا اليوم لكان مناي. قال محمّد بن العلا الهمداني ويحيى بن جريح: فقام كلّ واحد منّا وقبّل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمّي، وقلنا له: الحمد لله الذي قيّضك لنا حتّى شرّفتنا بفضل هذا اليوم، ثمّ رجعنا عنه، وتعيّدنا في ذلك» (المحتضر: 89 ـ 101).

والذي توصّلتُ إليه هو أنّه لم يثبت في الشرع عيدٌ باسم عيد "فرحة الزهراء" لا في التاسع من ربيع الأوّل ولا في غيره، ولم تثبت مراسم معيّنة فيه، سواء اعتبرناه عيداً لهذا السبب أو لذاك. والرواية الواردة ضعيفة السند جداً، كما سنبيّن قريباً، على تفرّدها وعدم نقل أيٍّ من المحدّثين والفقهاء المتقدّمين لها، ووجود مشاكل متنيّة فيها. وقد اعترف بعضهم ـ مثل السيد محمّد صادق الروحاني والشيخ جواد التبريزي وغيرهما ـ بضعف سند الرواية الوحيدة في بابها هنا، لكنّ الروحاني قال بأنّ مضمونها من المستحبّات التي تجري فيها قاعدة التسامح في أدلّة السنن، واللافت أنّه رغم ذلك رفض الفقرة التي تحتوي في الرواية على رفع القلم، ولم يرَ في ذلك أيَّ ضير بناء عنده على ما يُعرف في أصول الفقه بقاعدة التبعيض في الحجّيّة. والغريب بعد هذا وصفُ الميرزا جواد آغا ملكي التبريزي (1343هـ) لهذه الرواية بأنّها «رواية واحدة فاخرة»! (المراقبات: 46).

لكنّني حيث لا أؤمن بقاعدة التسامح، وعلائم الوضع أو احتماليّة الوضع عالية في هذه الرواية المتأخّرة الظهور، لهذا لا يثبت عندي شيءٌ باسم عيد الزهراء إطلاقاً.

هذا كلّه مضافاً إلى صعوبة إثبات أنّ مقتل عمر بن الخطّاب هو في هذا اليوم، حتى لو قلنا بأنّ مقتله في ذي الحجّة ليس بثابت، فانتبه.

وعمدة مصدر الرواية:

أ ـ السيد علي بن علي بن موسى بن طاووس نجل السيد ابن طاووس المعروف، في القرن السابع والثامن الهجريّين، في كتاب (زوائد الفوائد)، نقلاً عن خطّ محمّد بن علي بن محمّد بن طي، وفق نقل المجلسي (بحار الأنوار 31: 120 ـ 129).

لكنّ كتاب زوائد الفوائد غير مطبوع اليوم في حدود اطلاعي، ويقال بأنّه تمّ العثور حدود عام 2017م على نسخة للكتاب تقرّر تحقيقها وطباعتها، ولم أطّلع عليها. وسند ابن طيّ لا نعرفه، ومن ثم فالرواية برمّتها مرسلة لا إسناد لها، بل لا نعرف مدى ثقة النسخة التي وصلت للمجلسي لهذا الكتاب أيضاً. كما أنّ الروايات الأخرى المدّعى أنّها موافقة ـ كما نقله المجلسي عن ابن طاووس في آخر ذكره للرواية ـ لا نعرف عنها شيئاً، ولا نعرف الموافقة فيها بأيّ مقدار.

ب ـ الحسن بن سليمان الحلّي في القرن التاسع الهجري في كتابه (المحتضر: 89 ـ 101)، وفي السند سقط كبير وإرسال يمتدّ لقرون، بين علي الواسطي ومحمد الهمداني، فراجع.

أمّا عيد تنصيب أو تتويج الإمام المهدي، فهو الآخر لم يثبت، بل لا توجد دينيّاً مراسم أو أيّام لتنصيب إمام، كما صرّح بذلك ـ محقّاً ـ السيد محمّد صادق الروحاني في بعض استفتاءاته، والذي اعتبر أنّ الإمامة تكون في لحظة الوفاة، وهو اليوم الثامن، وليس التاسع، والمفروض ـ عنده ـ أنّ يوم الثامن هو يوم حزن. بل لو كان هناك شيء من هذا القبيل فلماذا لم نرَ مظاهر احتفالية أو سرور عقب وفاة كلّ إمام بتنصيب الإمام الذي يليه، وتمّ الاقتصار في ذلك على تنصيب الإمام المهدي، سواء في عصر ما بعد الغيبة أم في عصر النص نفسه؟!

وعليه، فلم يثبت شيء بعنوانه اسمه عيد فرحة الزهراء ولا مراسم معيّنة لهذا العيد، بل ارتكاب بعض المعاصي فيه مما لا وجه له شرعاً، كما لم يثبت عيدٌ آخر من نوع عيد تنصيب الإمام ونحو ذلك من العناوين.

ومجال الكلام أكثر يتطلّبُ سعة وبسطاً لا يتحمّله المقام المبنيّ على الاختصار كما قلنا مراراً، فلا نطيل.

 

2 ـ عيد المولد النبوي والأعياد المستحدثة والمعاصرة

والحديث عن أعياد مواليد النبي وأهل بيته أو غيرهم، أو الأعياد الوطنية والقومية والثورية المستحدثة، يمكن تلخيصه ضمن نقاط سبق أن أشرنا لها في كتاب (إضاءات 2: 387 ـ 391):

أولاً: كون يومٍ ما عيداً، يمكن أن يكون نتيجة اعتبار شرعي خاصّ، ويمكن أن يكون نتيجة اعتبار عرفي عام أو خاصّ، أمّا العيد الناتج عن الاعتبار الشرعي الثابت، فهو عبارة عن عيد الفطر وعيد الأضحى بإجماع الأمّة الإسلاميّة، كما وردت العديد من الأحاديث عن أهل البيت النبوي عليهم السلام باعتبار يوم الغدير ويوم الجمعة عيداً، فتكون الأعياد عند المذهب الشيعي أربعة. وأمّا غير ذلك من الأيام ـ كعيد المولد النبوي أو مواليد الأئمّة والأنبياء وغيرهم ـ فلم ينصّ جمهور الفقهاء السابقين، ولا جاء في النصوص القرآنية والحديثية أنّه عيدٌ بعنوانه، فاعتبار العيد هو اعتبار شرعي ولم يرد شيء في غير هذه الأيام الأربعة، سواء فهمنا العيد أمراً له أحكام أم له بُعد احتفالي لا فرق. إلا ما وقع بينهم من كلام في بعض الموارد القليلة جداً مثل يوم النوروز كما سيأتيتيأتي، وقلنا بأنّه لم يرد بشكلٍ ثابت عن النبيّ أو أحد من أهل بيته أو صحابته أنّهم أعلنوا يوماً ما عيداً غير هذه الأيّام.

ثانياً: إنّ ما تقدّم لا يمنع من أن نعتبر نحن يوماً من الأيام عيداً، إمّا لسببٍ ديني كمولد النبي الأكرم أو مولد الإمام علي أو بعثة النبي الأعظم أو مولد الإمام المهدي أو يوم الإسراء والمعراج أو غير ذلك، أو لسببٍ غير ديني كإعلان بعض الدول أياماً معيّنةً بمثابة أعياد وطنية أو ذات بعد ثوري وشعبي وتاريخي، فإنّ هذا الاعتبار إذا لم يصادم الشرع لا مانع منه، بل قد يكون راجحاً في حدّ نفسه لو كان فيه تشجيعٌ على فعل الخير وتقويةٌ لأواصر التعاون والموادّة والإيمان وحبّ الوطن وغير ذلك ممّا حثت عليه النصوص الشرعيّة.

لكنّ المهم هو أن لا نعتبر هذا العيد عيداً شرعيّاً، بمعنى أن لا ننسبه إلى الشريعة ما دمنا لا نملك دليلاً على وجود اعتبار تشريعي ديني لهذا اليوم بأنّه عيد. ومجرّد اشتراك يومٍ من الأيام مع بعض الأعياد في بعض الأعمال كالغسل مثلاً أو الزيارة أو نحو ذلك، لا يكفي في الدلالة على اعتبار العيديّة شرعاً له.

ثالثاً: بناءً على ما تقدّم، فإنّ كون هذا العيد قد جاءنا من الغرب أو من المسيحية أو غير ذلك لا أجد فيه محذوراً في حدّ نفسه، فلنفرض أنّ الغرب توصّل إلى اعتبار يومٍ من الأيام هو يوم الطفل العالمي، فما الضير في مشاركته في ذلك؟ ولماذا نصرّ دائماً على اعتبار المقاطعة مع كلّ ما يأتي من الغرب؟! بالنسبة لي كلّ اعتبار ليومٍ من الأيام على أنّه عيد أو مناسبة، هو أمرٌ مشروع، بل قد يكون محبوباً ما دام يدعو لقيم الخير والعدالة والمحبّة والإنسانيّة والرقي والأخلاق والتربية والبناء الروحي والديني والوطني عند البشر، سواء أتى من الغرب أم الشرق، شرط أن لا ننسبه إلى الدين بلا دليل، وشرط أن لا يحوي منكرات أخلاقيّة وشرعيّة. نعم، ينبغي للمسلمين عدم هدر خصوصيّتهم، وعدم السماح لأيّ ثقافة أخرى غير متناسبة مع دينهم وأخلاقهم أن تغزوهم تحت مسمّيات العيد الفلاني أو غيره.

رابعاً: إنّ ابتكار أعياد جديدة ـ لأيّ سبب من الأسباب ـ شيءٌ وإهمال أعيادنا الدينيّة شيء آخر، فإذا كانت الناس تهتمّ بعيد الأم أو الطفل أو غير ذلك على حساب الاهتمام بالأعياد الدينية، فإنّ هذا لا يعني أنّ عيد الأم عيد غير شرعي أو ينبغي محاربته، بقدر ما يعني أنّ علينا أن نسعى للترويج للأعياد الإسلاميّة ليكون لها حضورها المتميّز في الأمّة، ولا تنسى الأمّة خصوصيّتها منجرفةً خلف الأعياد البشرية الآتية من الغرب أو الشرق، وهذا معناه أنّه من الضروري لنا أن نميّز بين الأمور بشكل دقيق.

خامساً: لا يصدق على الأعياد الآتية من الغرب أنّها تشبّهٌ بالكفار، فإنّ المراد بالتشبّه المحرّم بالكفار ـ على ما هو الصحيح المبحوث في محلّه ـ شكلٌ من أشكال التبعيّة لهم والذوبان الثقافي فيهم، لا مطلق مشاركتهم في بعض العادات والتقاليد والثقافات؛ فإنّ الأمم تتشارك فيما بينها، والغرب قد يطلق بعض الأمور بوصفه إنساناً لا بوصفه كافراً، فأيّ مانع من التواصل معه فيما أطلقه انطلاقاً من عناصر الإنسانية المشتركة؟

وقد تسأل: هل المعيار في تحقّق الذوبان الثقافي هو الكمّية، أي حجم الأعياد والمناسبات الغربية التي يتبعها المسلمون؟ بمعنى إذا أصبح هناك ـ كما نشهد اليوم ـ حجم كبير من الطقوس الغربية يشكّل جزءاً أساسياً من حياة المسلمين، فهل يُعتبر الذوبان الثقافي متحقّقاً؟ وإذا كان كذلك، فهل يُحظر الاحتفال (علی نحو الانحلال) بجميع الأعياد إلى الحدّ الذي يزول فيه الذوبان أو أنّ هناك معياراً آخر، كالمعيار الکیفيّ، أي أن التقليد في أمور محدّدة مثل الأعياد والطقوس التي تتنافى مع الدين يُعدّ ذوباناً في الثقافة غير الدينيّة؟

والجواب: عندما نبحث في كلّ مفردة على حدة فقد لا ينطبق عليها العنوان، لكن إذا أخذنا المجموع فقد ينطبق، فيجب التعامل مع هذه الظواهر في هذه الحال إذا صدق عليها عنوان الذوبان وتلاشي أو ضعف الهويّة الإسلاميّة في مقابل الآخر، لكنّ المنع هنا ليس انحلاليّاً، بل هو منع للظاهرة، وبقدر ما يكون رفع هذه الظاهرة يكون اللزوم ثابتاً لا مطلقاً، علماً أنّ الظواهر الآتية من الغرب ليست كلّها توجب الذوبان، بل بعضها في نفسه جيّد، ويمكن تبنّيه والدفاع عنه وإسباغ تبريرٍ إسلاميّ عليه، فيندرج ضمن الثقافة المتوالمة مع الإسلام ولو بشكلٍ عام، وهو وإن لم يكن ممكناً نسبته للشرع، لكنّه لا ينافيه، بل يتوالم مع بعض كليّاته.

سادساً: إنّ الفصل بين البعد الوجودي الأنطولوجي في شخصيّة النبي أو الإمام، وبين البعد الوظيفي والدعوي يبدو صعباً في بعض المساحات، فمن غير الصحيح أن أتحدّث بالمطلق عن عدم أهميّة البعد الوجودي في شخصية النبي الأكرم مثلاً؛ وإلا فبماذا نفسّر نصوص الإسراء والمعراج، التي هي عبارة عن تجربة نبويّة شخصيّة؟ وبماذا نفسّر الآيات التي تتحدّث عن شخص النبي من حيث اليتم وغيره؟ هذا يعني أنّ جزءاً من شخصية النبي وذاته يتصل بي كمسلم.

وكما أنّ البعثة شأنٌ يتصل بي كذلك ولادته التي كانت مقدّمة للبعثة شأنٌ يتصل بدرجة أو بأخرى بي، فالموضوع ليس هنا، وإنما هو في فائدة هذه المناسبات التي ابتكرها المسلمون أو ابتكرتها السلطات لا فرق، فإذا كانت تعطي ثمارها التربوية والاجتماعية فلماذا أقف ضدّها؟ وإذا كانت مضرّةً وغير مفيدة أو عائقاً عن التقدّم أو تزاحم أمراً دينيّاً، فإنّ عليَّ بيان ذلك، بلا فرق بين أن تكون هذه المناسبات مرتبطة بجانب البعثة النبوية أم ببعد الولادة النبويّة مثلاً، فلا أظنّ أنّ هذا المدخل هو المدخل الصحيح لمعالجة الموضوع، بل أعتقد أنّ المدخل الصحيح لدراسة هذا الموضوع هو ـ من جهة أولى ـ البحث عن وجود اعتبار شرعي لهذا العيد أو ذاك، ثم ـ من جهة ثانية ـ البحث عن فوائد هذه الاحتفاليّات وعدمها بعد عدم ثبوت دليل شرعي على اعتبارها الخاصّ، من دون فرق بين كون هذه الأعياد قد وضعت في سياق أمر وجودي أو عملي وظيفي.

 

3 ـ عيد النوروز (النيروز)

النوروز من أهمّ الأعياد الفارسيّة عبر التاريخ، والمتعارف ـ اليوم ـ أنّه بداية فصل الربيع، حدود الواحد والعشرين من شهر مارس/آذار من كلّ عام، وهو الأوّل من شهر فروردين، الذي هو الشهر الأوّل من السنة الفارسيّة.

وقد كان بحث النوروز والتعيّد به موضوعاً متداولاً منذ قديم الأيّام، لكنّه في العصر الحديث ـ وبخاصّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979م ـ أخذ النقاش حوله يزداد بشكل متواصل، بين فريقٍ يرى دينيّة هذا العيد أو على الأقل ضرورة الاهتمام به، وآخر ينفيها ولا يعارضه، وفريقٌ ثالث يقف مخالفاً لظاهرة عيد النوروز بدرجات المخالفة المختلفة، فيما يعتبر بعضٌ ـ ومنهم بعض القوميّين الإيرانيين ـ أنّ تعامل الجمهوريّة الإسلامية مع مثل عيد النوروز يكشف نزعتها المتجاهلة للاعتبارات القوميّة الفارسية والإيرانيّة، وأنّ محاربة النوروز عبر التاريخ يأتي نتيجة النزعة القوميّة العربيّة التي نادى بها بعض الخلفاء، والتي كانت تريد طمس معالم الشعوب الأخرى لصالح العرب.

ويبدو أنّ روايات النوروز كان لها حضور في القرون الأولى إلى درجة تصنيف كتب حولها، فقد ذكر النجاشي في ترجمة نصر بن عامر بن وهب أبي الحسن السنجاري قائلاً: «من ثقات أصحابنا. له كتب، منها: كتاب المودّة في القربى، كتاب فضائل أمير المؤمنين×، كتاب ما روى في يوم النوروز، كتاب فضائل شهر رمضان، كتاب ردّ الشمس..» (الفهرست: 429). وعندما يصنّف كتاب فهذا يعني وجود بعض الروايات وليس رواية واحدة.

من هنا، اعتبر بعضٌ أنّ ذلك دليل على تعدّد الروايات، لكنّ الحكّام الغاصبين للخلافة والمعادين للفرس وغير العرب، عملوا على طمس هذه الروايات العديدة، لهذا لم يصلنا إلا القليل.

ولكنّ هذا التحليل غير دقيق، إذ لا نعرف مضمون هذا الكتاب، فلعلّه جمع روايات في فضائل النوروز وفي معارضته ونفيه، وربما يشهد لذلك أنّ النجاشي ذكر قبل ذلك كتاب فضائل أمير المؤمنين وبعده فضائل شهر رمضان، لكنّه لم يعبّر بفضائل النوروز، بل قال: ما روي في يوم النوروز، الأمر الذي يترك المحتوى مبهماً بعض الشيء بالنسبة إلينا، على أنّ تأليف كتاب في تلك العصور، لا يعني عشرات أو مئات الصفحات، كما هو واضح معلوم. وكما توجد دواعٍ لتغييب روايات النوروز من قبل العرب المتطرّفين لعروبتهم، كذلك توجد دواعٍ لاختلاق نصوص حول النوروز من قبل الفرس وغير العرب بهدف تقوية موقعهم القومي، وبخاصّة في العصر الشعوبي في الفترة العباسيّة.

وذكر غير واحد "كتاب الأعياد وفضائل النيروز"، للصاحب بن عباد (385هـ)، ولا يُعرف محتواه من حيث اشتماله على أحاديث أو لا.

وقد ظهر بشكل أكبر موضوع النوروز في الكتب الفقهيّة منذ بدايات العصر الصفوي، حتى صنّفت كتب ورسائل مستقلّة فقهية وغيرها تحت عنوان "النوروزيّة" أو "نوروزنامه". وغالب علماء الشيعة إمّا ساكتون عن النوروز أو موافقون عليه لا يعارضونه، بل يحاولون تشذيبه عند الضرورة، أو مناصرون له، وبعضهم ينتقده، بينما الكثير من علماء السنّة كانوا متحفّظين بنحو التحريم أو الكراهة أو ما يقرب من ذلك تجاهه عبر التاريخ.

ويرى بعض العلماء ـ ومنهم السيد موسى الشبيري الزنجاني ـ أنّه من المحتمل أنّ تكريم النوروز جاء في سياق أنّه فيه حصلت واقعة الغدير، وهذا ما تؤيّده الرواية الواردة، وستأتي، بل يمكننا أن نضيف على كلامه بأنّ محاسبة التاريخ القمري والشمسي تقارب هذا الأمر؛ إذ يبدو أنّ واقعة الغدير وقعت في شهر آذار قريباً من بداية فصل الربيع.

أمّا تاريخياً، فالظاهر أنّ النوروز كان محلّ تباني الدولة الأموية والعباسيّة، وكان العرف السلطاني قائماً على الهدايا في هذا اليوم، بل ربما كان بداية السنة الماليّة للدولة في بعض الأوقات على الأقلّ، فالعلاقة بين السلطة السياسية والنوروز كانت دائماً متوالمة باستثناء ما قيل من أنّ عمر بن عبد العزيز ـ الخليفة الأموي ـ حاول إلغاء مراسم النوروز السلطانيّة التي كانت تقام، لكنّ شواهد تاريخية أشار لها الشيخ رسول جعفريان (نوروز در فرهنك شيعه، مجلة نامه مفيد، العدد 9: 207، لعام 1998م)، تفيد مواجهة الدولة أحياناً لبعض الأعمال التي كانت تقام في النوروز، كإشعال النار، ربما بضغطٍ من علماء الدين السنّة.

يقول الذهبي: «قال الزبير بن بكّار: كان معاوية أوّل من اتخذ الديوان للختم، وأمر بالنيروز والمهرجان، واتخذ المقاصير في الجامع، وأوّل من قتل مسلماً صبراً، وأوّل من قام على رأسه حرس، وأوّل من قيدت بين يديه الجنائب، وأوّل من اتخذ الخدام الخصيان في الإسلام، وأوّل من بلغ درجات المنبر خمس عشرة مرقاة، وكان يقول: أنا أوّل الملوك» (سير أعلام النبلاء 3: 157).

وعلى أيّة حال، فليس في القرآن الكريم إشارة لعيد النوروز، لكن هناك روايات عدّة في الموضوع، بعضها موافق له، وبعضها مخالف، وعمدتها هو الآتي:

 

أ ـ الروايات الموافقة للنوروز

الرواية الأولى: خبر إبراهيم الكرخي، قال: سألت أبا عبد الله× عن الرجل تكون له الضيعة الكبيرة، فإذا كان يوم المهرجان أو النيروز أهدوا إليه الشيء ليس هو عليهم يتقرّبون بذلك إليه، فقال: «أليس هم مصلّين؟» قلت: بلى، قال: «فليقبل هديّتهم وليكافهم؛ فإنّ رسول الله‘، قال: لو أهدي إليّ كُراع لقبلت، وكان ذلك من الدين، ولو أنّ كافراً أو منافقاً أهدى إليّ وَسْقاً ما قبلت وكان ذلك من الدين، أبى الله عزّ وجل لي زبد المشركين والمنافقين وطعامهم» (الكافي 5: 141 ـ 142؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 3: 300 ـ 301؛ وتهذيب الأحكام 6: 378).

والمتداول أنّ السنة لم تكن تنقسم عند الفرس القدامى إلى أربعة فصول، بل كانت فصلين: فصل البرد وفصل الحرّ، وكانت بداية فصل الحرّ هو يوم النوروز، وبداية فصل البرد هو يوم المهرجان (مهركَان)، ويقال أيضاً بأنّ النوروز لم يكن في العهد الساساني يقع دائماً في بداية فصل الربيع، بل كان يتحرّك خلال السنة، وفي العهد الساساني أخذ النوروز طابعاً أكثر دينيّةً ليصبح أكثر التصاقاً بالديانة الزرداشتيّة.

والظاهر من الطرق أنّ الرواية مأخوذة من كتاب الحسن بن محبوب، ناقلاً لها عن الكرخي، غير أنّ الكلام في الكرخي نفسه، وهو إبراهيم بن (أبي) زياد الكرخي، حيث لم تثبت وثاقته؛ إذ عمدة الدليل هو رواية ابن أبي عمير والحسن بن محبوب عنه، والمسألة مبنائيّة. لكنّ هذه الرواية تعتبر ـ من حيث مقارنتها بغيرها ـ من أقوى الروايات سنداً في الباب.

والرواية تدلّ على عدم الممانعة من عيد النوروز وأمثاله وعاداته المشروعة، فإنّ قبول الهدية نوعٌ من الاعتراف وعدم الرفض، لكنّ الرواية لا تفيد أنّ الشريعة اعتبرت النوروز عيداً إسلاميّاً، أو وافقت على مختلف فقرات طقوسه وعاداته، بل دلالة هذه الرواية على العكس أقوى؛ إذ لو كان عيداً إسلاميّاً لما كان جواب الإمام مناسباً، إذ قد بنى الأمر على قبول هدية المصلّي، لا على أنّ النوروز عيدٌ إسلاميّ، بل يبدو أنّ هذا هو المركوز في ذهن الكرخي عند السؤال، دون أن يشير له الإمام إلى أنّ النوروز كالفطر والأضحى.

ويبقى أنّ ذيل الرواية فيه ممانعة رسول الله عن قبول هدايا الكافرين، مع أنّ التاريخ يشير إلى قبوله، وعلى أيّة حال، فهذه إشارة لن نطيل فيها أو نبتّ.

الرواية الثانية: مرسل الصدوق، قال: أُتي عليّ× بهديّة النيروز، فقال: «ما هذا؟» قالوا: يا أمير المؤمنين، اليوم النيروز، فقال×: «اصنعوا لنا كلّ يومٍ نيروزاً»، وروي أنّه قال×: «نيرزونا كلّ يوم» (كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 300).

والرواية من حيث الإسناد مرسلة، وقد وضعها الصدوق في "باب الهديّة"، وهذا هو الصحيح؛ فإنّ الرواية دلّت على قبول هدايا النوروز، وطلبه أن يصنعوا له كل يوم نيروزاً لا يدلّ على دعوته للنيروز كلّ يوم بحيث يصبح عيداً إسلاميّاً، بل مراده ـ كما هو واضح من السياق ـ مجاملتهم في أخذ الهدية وطلب مثلها، وعليه فالرواية دالّة على قبول عيدٍ من أعياد الآخرين وعدم ممانعته، بل والترحيب به من حيث المبدأ، لكنّها لا تدلّ على كونه عيداً إسلاميّاً.

ولعلّ هذه الرواية هي بعينها مرسل الدعائم، قال: وعنه‘ أنّه أهدي إليه فالوذج، فقال: «ما هذا؟» قالوا: يوم نيروز، قال: «فنيرزوا إن قدرتم كلّ يوم»، يعني تهادوا وتواصلوا في الله (دعائم الإسلام 2: 326). وكذلك هي خبر البخاري في (التاريخ الكبير 1: 414، وانظر: فهرست ابن النديم: 255؛ وتاريخ بغداد 13: 325 ـ 326؛ والبيروني، الآثار الباقية: 230)، عن حماد بن سلمة بن علي بن زيد، عن مسعر التميمي.

والرواية من حيث الإسناد مرسلة، ومن حيث الدلالة كسابقتها تماماً.

الرواية الثالثة: خبر المعلّى بن خنيس، عن مولانا الصادق× في يوم النيروز، قال: «إذا كان يوم النيروز فاغتسل، والبس أنظف ثيابك، وتطيّب بأطيب طيبك، وتكون ذلك اليوم صائماً، فإذا صلّيت النوافل والظهر والعصر فصلّ بعد ذلك أربع ركعات، تقرأ في أوّل كلّ ركعة فاتحة الكتاب، وعشر مرات (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)، وفي الثانية فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وعشر مرات (قل هو الله أحد)، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات المعوذتين، وتسجد بعد فراغك من الركعات سجدة الشكر، وتدعو فيها يغفر لك ذنوب خمسين سنة» (مصباح المتهجّد: 790؛ وتفصيل وسائل الشيعة 8: 172 ـ 173).

ودلالة هذه الرواية أقوى من سابقاتها، فإنّها لا تكتفي بالاعتراف بهذا العيد بمعنى عدم الممانعة، بل تضع له طقوساً دينيّة، وإضافة صلوات له مع الغسل والتنظيف والتطيّب ذلك كلّه يعطي إيحاءً قويّاً وكأنّه عيد إسلاميّ.

والرواية من حيث الإسناد مرسلة ظاهراً، لكنّ المشكلة الأكثر تعقيداً هنا هو الدراسة التي قام بها بعضٌ ـ مثل حبيب زماني محجوب ـ حول النسخ الخطيّة والمطبوعة لكتاب مصباح المتهجّد وكتاب مختصر المصباح أيضاً للطوسي، حيث أثبت أنّ العديد من النسخ، وبينها النسخ الأقدم زماناً، لا تشتمل على رواية المعلّى بن خنيس، وأنّ أكثر النسخ التي تشتمل على هذه الرواية جاءت هذه الرواية فيها بعد انتهاء الكتاب، بما يفيد أنّه خطّ مختلف، ما يعطي إيحاءً بإضافتها لاحقاً. واحتمال أنّ الطوسي أضافها بعيدٌ أو على الأقلّ غير مؤكّد. ويعزّز ذلك أنّ الحديث لا يتناسب مع التقسيم القمري الذي وضعه الطوسي للمصباح (بازخوانى سند نوروز در روايات اسلامى، مطالعه موردى روايت معلى بن خنيس، مجله تاريخ فرهنك و تمدن اسلامى، العدد 25: 35 ـ 39)، وهناك دراسة أخرى لرضا مختاري يذكر فيها شواهد يؤكّد فيها بنحو اليقين عنده أنّ هذه إضافة أضيفت على كتاب الطوسي وأنّ ابن إدريس الحلّي ظنّ أنّ هذه الإضافة من أصل الكتاب، فراجع (رضا مختاري، حديث النوروز في كلام العلامة ابن فهد الحلي).

الرواية الرابعة: خبر معلى بن خنيس الآخر، وهو من أهمّ الأخبار هنا، فقد قال المجلسي ما نصّه: رأيتُ في بعض الكتب المعتبرة: روى فضل الله بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ تولّاه الله في الدارين بالحسنى ـ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي، عن أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي المونسي القمي، عن عليّ بن بلال، عن أحمد بن محمد بن يوسف، عن حبيب الخير، عن محمد بن الحسين الصائغ، عن أبيه، عن معلّى بن خنيس، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد× يوم النيروز، فقال: «أتعرف هذا اليوم؟» قلت: جعلت فداك، هذا يوم تعظّمه العجم وتتهادى فيه. فقال أبو عبد الله الصادق×: «والبيت العتيق الذي بمكّة ما هذا إلا لأمر قديم أفسّره لك حتى تفهمه». قلت: يا سيدي، إن علم هذا من عندك أحبّ إليّ من أن يعيش أمواتي وتموت أعدائي، فقال: «يا معلّى، إنّ يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ الله فيه مواثيق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وأن يؤمنوا برسله وحججه، وأن يؤمنوا بالأئمّة عليهم السلام، وهو أوّل يوم طلعت فيه الشمس، وهبّت به الرياح، وخلقت فيه زهرة الأرض. وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح× على الجوديّ، وهو اليوم الذي أحيا الله فيه الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي‘، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله‘ أميرَ المؤمنين× على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشّمها، وكذلك إبراهيم×، وهو اليوم الذي أمر النبيّ‘ أصحابه أن يبايعوا عليّاً× بإمرة المؤمنين، وهو اليوم الذي وجّه النبيّ‘ عليّاً× إلى وادي الجن يأخذ عليهم البيعة له، وهو اليوم الذي بويع لأمير المؤمنين× فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذا الثدية، وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا وولاة الأمر، وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقّع فيه الفرج؛ لأنّه من أيامنا وأيام شيعتنا، حفظته العجم وضيّعتموه أنتم». وقال: «إنّ نبيّاً من الأنبياء سأل ربّه: كيف يحيي هؤلاء القوم الذين خرجوا فأوحى الله إليه أن يصبّ الماء عليهم في مضاجعهم في هذا اليوم، وهو أوّل يوم من سنة الفرس، فعاشوا وهو ثلاثون ألفاً، فصار صبّ الماء في النيروز سنّة». فقلت: يا سيدي، ألا تعرّفني ـ جعلت فداك ـ أسماء الأيّام بالفارسيّة؟ فقال×: «يا معلّى، هي أيّام قديمة من الشهور القديمة، كلّ شهر ثلاثون يوماً لا زيادة فيه ولا نقصان. فأوّل يوم من كلّ شهر "هرمزد روز" اسم من أسماء الله تعالى، خلق الله عزّ وجل فيه آدم×. تقول الفرس: إنّه يوم جيّد صالح للشرب وللفرح، ويقول الصادق: إنّه يوم سعيد مبارك، يوم سرور، تكلّموا فيه الأمراء والكبراء واطلبوا فيه الحوائج، فإنّها تنجح بإذن الله. ومن ولد فيه يكون مباركاً، وادخلوا فيه على السلطان، واشتروا فيه، وبيعوا، وزارعوا، واغرسوا، وابنوا، وسافروا، فإنّه يوم مختار يصلح لجميع الأمور، وللتزويج، ومن مرض فيه يبرأ سريعاً، ومن ضلّت له ضالّة وجدها إن شاء الله. الثاني "بهمن روز" يوم صالح صاف، خلق الله فيه حواء عليها السلام، وهو ضلع من أضلاع آدم×..» والحديث طويل (بحار الأنوار 56: 91 ـ 100).

تمتاز رواية معلّى بن خُنيس هذه ـ وبدرجةٍ ما التي قبلها ـ بأنّها تظهر النوروز عيداً دينيّاً، بل شيعيّاً، وتخفي الجانب التاريخي والقومي له، كما أنّها تعطي فيه وظائف طقوسيّة محدّدة، الأمر الذي يزيد من الطابع الديني له، وهذا ما يمنحها أهميّةً مضاعفة في موضوعنا هنا.

والبحث حول هذه الرواية:

أ ـ أمّا سند هذه الرواية، فهنا أمور:

أوّلاً: لا أدري لماذا لم يصرّح المجلسي باسم الكتاب المعتبر الذي أخذ منه هذه الرواية، في حين صرّح في آلاف المواضع الأخرى باسم الكتب التي أخذ منها الروايات؟! إنّ هذا الأمر يثير سؤالاً، ولعلّه نسي اسمه أو استنسخه ثم نسي اسمه وهكذا، والله العالم، وحيث إنّنا نعلم طريقة تفكير المجلسي في الحديث، فإنّه لا يعلم أنّ توصيفه الكتاب بالمعتبر سوف يلزمنا بأن نصنّفه كذلك لو اطّلعنا عليه.

ثانياً: إنّ أقدم مصدر متوفّر لدينا لهذه الرواية هو ما نقله المجلسي في البحار، لكنّ ابن فهد الحلّي (841هـ) نقل جزءاً من رواية المعلّى بن خنيس، حيث قال: «ومما ورد في فضله ويعضد ما قلناه، ما حدّثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسّابة دامت فضائله، ما رواه بإسناده إلى المعلّى بن خنيس، عن الصادق×: «إنّ يوم النوروز، هو اليوم الذي أخذ فيه النبيّ× لأمير المؤمنين× العهد بغدير خم، فأقرّوا له بالولاية، فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجّه فيه رسول الله‘ عليّاً× إلى وادي الجنّ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق، وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان، وقتل ذا الثدية، وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجّال، فيصلبه على كناسة الكوفة. وما من يوم نوروز إلا ونحن نتوقّع فيه الفرج؛ لأنّه من أيامنا، حفظه الفرس وضيّعتموه. ثمّ إنّ نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل سأل ربّه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله تعالى، فأوحى إليه أن صبّ عليهم الماء في مضاجعهم، فصبّ عليهم الماء في هذا اليوم، فعاشوا وهم ثلاثون ألفاً، فصار صبّ الماء في يوم النيروز سنّة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم. وهو أوّل يوم من سنة الفرس». قال المعلّى: وأملى عليّ ذلك، فكتبته من إملائه (المهذّب البارع 1: 194 ـ 195)، ثم نقل حديثاً آخر لمعلّى قريب من الحديث الأوّل.

وبهذا يظهر أنّ أقدم مصدر متوفّر لدينا يرجع للقرن التاسع الهجري، وهذا غريب، لا سيما مع المضمون العالي الذي يحتويه هذا الخبر؛ إذ يستدعي اهتمام الشيعة به؛ لما له من طابعٍ شيعيّ واضح.

ثالثاً: إنّ الرواية مبنيّة على الوِجادة؛ لأنّ المجلسي وجد الرواية في بعض الكتب التي يقول هو بأنّها المعتبرة، والتي لا نعرف نحن ما هي، ولا نعرف طريقه إليها ومدى صحة النسخة الواصلة إليه، أمّا ابن فهد الحلّي، فإنّ السند بين بهاء الدين النسّابة والمعلّى بن خنيس ـ وبينهما قرونٌ عديدة ـ ساقطٌ تماماً، فيكون الحديث في غاية الإعضال.

وأمّا متن هذه الرواية، فقد تعرّض لانتقادات عديدة، نشير لبعضها:

أوّلاً: ما ذكره غير واحد من العلماء، من أنّ رواية المعلّى تفيد أنّ تكسير أصنام الكعبة وقع في يوم النوروز، والمعروف في كتب التاريخ والسيرة والحديث أنّ ذلك وقع في شهر رمضان المبارك من العام الثامن من الهجرة، فكيف يمكن أن يكون يوم النوروز وفي الوقت عينه يكون يوم تنصيب الإمام عليّ في غدير خم في شهر ذي الحجّة العام العاشر من الهجرة هو يوم النوروز أيضاً؟! فأبسط حساب يكشف استحالة ذلك.

وكليّة هذا الإشكال أشار إليها غير واحد كالخواجوئي، وليس آخرهم الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي في بعض تعليقاته على بحار الأنوار.

ثانياً: قد يُنتصر لتصحيح الرواية من خلال مطابقة متنها مع تاريخ واقعة الغدير، كما نقلنا سابقاً كلام السيد الزنجاني، غير أنّ هذا الكلام معارض ـ فضلاً عن كونه بنفسه لا يكفي لتصحيح النسبة ـ بالكثير من التناقضات وعدم إمكان انطباق الحساب على كلّ هذه الأيام التي قيلت في الرواية كما ذكر ذلك العديد من العلماء والنقّاد، وقد حاول المجلسي جاهداً ترميم هذه المشاكل، لكنّ الإنصاف أنّ ذلك لا يكفي، بل فيه تكلّف، فراجع.

الرواية الخامسة: ما نقله النوري: عن الحسين بن همدان الحضيني (حمدان الخصيبي) في كتابه، عن محمد بن إسماعيل، وعلي بن عبد الله الحسينيان، عن أبي شعيب محمد بن نصير، عن عمر بن فرات، عن محمد بن المفضل، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق×، أنّه قال له ـ في خبر طويل في جملة كلام له في إثبات الرجعة ـ قال×: «وقوله× في الطوائف من بني إسرائيل، الذين خرجوا من ديارهم هاربين حذر الموت، إلى البراري والمفاوز، يحفروا على أنفسهم أحفاراً، وقالوا: قد حرزنا أنفسنا من الموت، وكانوا زهاء ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل (فقال لهم الله: موتوا)، فماتوا كموتة نفس واحدة، فصاروا أوصالاً رفاتاً وعظاماً نخرة، فمرّ عليهم حزقيل بن العجوز، فنظر إليهم وتأمّل أمرهم، وناجى ربه في أمرهم، فقصّ عليه قصّتهم، قال حزقيل: إلهي وسيدي، قد أريتهم قدرتك في أزمانهم، وجعلتهم رفاتاً، ومرّت عليهم الدهور، فأرهم قدرتك في أن تحييهم لي، حتى أدعوهم إليك، ووفّقهم للإيمان بك وتصديقي، فأوحى الله إليه: يا حزقيل، هذا يوم شريف عظيم قدره عندي، وقد آليت أن لا يسألني مؤمن فيه حاجة، إلا قضيتها في هذا اليوم، وهو يوم نيروز، فخذ الماء ورشّه عليهم، فإنّهم يحيون بإرادتي، فرشّ عليهم الماء، فأحياهم الله بأسرهم» (مستدرك الوسائل 6: 353 ـ 354).

والرواية محتملة الوجادة، فضلاً عن وجود مجموعة من الغلاة المتّهمين بالكذب فيها.

 

ب ـ الروايات المخالفة للنوروز

كما ظهرت نصوص موافقة، ولو بنوعٍ من أنواع الموافقة، ظهرت نصوص مخالفة ولو بنوعٍ من أنواع المخالفة، وأهمّها:

الرواية الأولى: ما نقله المحدّث النوري عن القطب الراوندي في لبّ اللباب، عن رسول الله‘، قال: «إنّ الله أبدلكم بيومين يومين، بيوم النيروز والمهرجان الفطر والأضحى» (مستدرك الوسائل 6: 153 ـ 154).

والرواية ـ وفق ما وصلت إلينا ـ مرسلة، وهي تفيد نفي التعيّد بالنوروز والمهرجان، لكنّها قد لا تمنع عن التعيّد لا من منظار ديني، غير أنّ فيها إشارة نفي، فإنّ دلالة الإبدال تفيد نفي ما سبق واستبداله بما لحق.

وقد أورد على الاستدلال بهذه الرواية بعضُ المعاصرين بأنّه لا يعقل أنّ العرب كانت تتعيّد بالنوروز والمهرجان قبل الإسلام، إنّما جاء ذلك بعد دخول الفرس في الإسلام واختلاط المجتمعات العربيّة بغيرها (مهدي مهريزي، نوروز در روايات إسلامي، مجلة علوم حديث، العدد 16: 27).

ورغم أنّ بعض عادات وثقافات الفرس كانت قد دخلت جزيرة العرب قبل الإسلام كما أثبت المؤرّخون، إلا أنّه من البعيد أنّهم كانوا يحتفلون بهذه الأعياد، إذ لو كان لبان، غير أنّه يمكن أن يكون حديث النبيّ هذا قد وقع مع بعض الفرس، مثل سلمان الفارسي، فنحن لا نعرف الشخص الذي كان يتكلّم معه النبيّ، ومعه فاحتماليّة كونه فارسيّاً تبقى واردة.

وعلى أيّة حال، فهذه الرواية منفردة في بابها بتصريحها باسم اليومين، فقد ورد الحديث في أنّ رسول الله ورد المدينة ووجد لديهم يومين يلعبون فيهما ويفرحون، فأبدلهما بالفطر والأضحى، لكنّ هذه الأحاديث كلّها على تعدّدها وتعدّد مصادرها في كتب الحديث والتاريخ لم تشر إطلاقاً للنوروز والمهرجان، بل أبقت اليومين غامضين غير معروفين، كلّ ما في الأمر أنّ بعض العلماء فسّر اليومين بالنوروز والمهرجان، وعلى سبيل المثال، قال العظيم آبادي (1329هـ): «(قدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ المدينة) أي من مكّة بعد الهجرة، (ولهم) أي لأهل المدينة (يومان) وهما يوم النيروز ويوم المهرجان، كذا قاله الشراح. وفي القاموس النيروز أول يوم السنة معرّب نوروز، والنوروز مشهور وهو أوّل يوم تتحوّل الشمس فيه إلى برج الحمل..» (عون المعبود 3: 341).

الرواية الثانية: مرسل ابن شهر آشوب (588هـ)، قال: وحُكي أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يُحمل إليه، فقال×: «إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول الله‘ فلم أجد لهذا العيد خبراً، وإنّه سنّة للفرس ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام»، فقال المنصور: إنّما نفعل هذا سياسةً للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست، فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنّونه ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجلٌ شيخ كبير السنّ فقال له: يا ابن بنت رسول الله، إنّني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي:.. قال: «قبلت هديّتك، اجلس بارك الله فيك»، ورفع رأسه إلى الخادم، وقال: «امض إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال وما يصنع به»، فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد، فقال موسى للشيخ: «اقبض جميع هذا المال، فهو هبة منّي لك» (مناقب آل أبي طالب 3: 433 ـ 434).

والرواية مرسلة بل لا سند لها أساساً، فلا نعرف مصدرها ولا راويها.

وقد علّق المجلسي هنا فقال: «هذا الخبر مخالف لأخبار المعلّى، ويدلّ على عدم اعتبار النيروز شرعاً. وأخبار المعلّى أقوى سنداً، وأشهر بين الأصحاب. ويمكن حمل هذا على التقية؛ لاشتمال خبر المعلّى على ما يتقّى فيه، ولذا يتقى في إظهار التبرّك به في تلك الأزمنة في بلاد المخالفين، أو على أنّ اليوم الذي كانوا يعظّمونه غير النيروز المراد في خبر المعلّى، كما سيأتي ذكر الاختلاف فيه» (بحار الأنوار 56: 100 ـ 101). وحمل خبر المناقب على التقيّة طرحه أيضاً صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهما. والظاهر أنّ مرادهم من التقية هو التقية من عامّة المسلمين وفقهائهم، لا من السلطان، وإلا فإنّ التقية من السلطان لا معنى لها هنا بعد تصريح الإمام بأنّه لم يجد شيئاً حول الموضوع، في رسالة واضحة لرفضه ما يقوم به السلطان، لكنّه وافق معه بعد ذلك بملاك ثانوي وهو تنظيم أمور جند المسلمين.

الرواية الثالثة: خبر أيّوب بن دينار، عن أبيه: أنّ عليّاً كان لا يقبل هديّة النيروز. قال البخاري بعد نقله هذا الخبر: «حدّثني إبراهيم بن موسى، عن حفص بن غياث، وقال أبو نعيم: حدّثنا أيوب بن دينار أبو سليمان المكتب (سمع أباه ـ 1)، سمع عليّاً ـ بهذا، حديثه في الكوفيين» (التاريخ الكبير 1: 414).

وهذه الرواية تعارضها نصوص قبول عليّ لهدية النوروز، كما تقدّم، وكأنّه وقع جدل في قبول عليّ لهدية النوروز أو لا، فانقسمت الرواية عنه بذلك، الأمر الذي لا يسمح لنا باعتماد رواية الرفض، تماماً كما لم يسمح لنا باعتماد رواية القبول.

وبهذا يظهر أنّه لا يمكن بهذه النصوص القليلة المتعارضة ـ على ما هي عليه من أمر المصدر والسند والمتن والدلالة ـ أن تثبت لنا إسلاميّةَ عيد النوروز أو وجود طقوس دينيّة إسلامية مخصّصة له، أو تحريمه بالمطلق أو من حيث المبدأ أو نحو ذلك.

قد يقال: إنّه يمكن العمل بالروايات المؤيّدة للنوروز من باب التسامح في أدلّة السنن.

والجواب: إنّه لم تثبت هذه القاعدة، بل لو ثبتت فهي معارضة برواية الإمام الكاظم التي تشير إلى رفض ذلك وتحريمه بتعبير: معاذ الله أن نحيي ما أماته الإسلام، ومع هذا الاحتمال، يضاف إليه ـ كما أشار الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في بعض تعليقاته على بحار الأنوار ـ احتمال انطباق عنوان التشبّه بالمجوس وغيرهم.. هنا، يصبح العمل بروايات قاعدة التسامح هنا في غير محلّه، لتعارضها مع محذورٍ معاكس غير ضعيف الاحتمال.

هذا كلّه بصرف النظر عن نقاش بعضهم في أنّ النوروز قديماً (قبل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري) مغاير للنوروز اليوم، ومن ثم فمعرفته بالتحديد تبدو أمراً صعباً.

والنتيجة: إنّه لم يثبت أنّ الشريعة الإسلاميّة اعتبرت النوروز عيداً إسلاميّاً، أو رتّبت عليه آثاراً شرعيّة، كما هي الحال في الفطر والأضحى، بل لو كان لبان، لكنّه لم يثبت أنّها رفضته أو دعت لمحوه أو حرّمته، بل عيد النوروز كان قائماً كلّ عام بين الإيرانيّين ـ وفي بعض الفترات بين غيرهم أيضاً ـ طيلة العصر الإسلامي، فلو كان محرّماً في نفسه لظهر رفضه وشاع في كلمات أهل البيت ولدعوا أتباعهم لتجنّبه ونحو ذلك، الأمر الذي رأينا أنّه يفتقد إلى حجّة تاريخيّة، وبخاصّة بعد صيرورته عيداً قوميّاً، لا أنّه عيد المجوس ولا عيد الغلاة، وعليه فعيد النوروز عيدٌ قوميّ إيراني، وهو في نفسه لا مانع منه إذا لم يشتمل على محرّم شرعي، وفي الوقت عينه لم يثبت كونه جزءاً من تشريعات الإسلام، بل لعلّ منحه بُعداً إسلاميّاً تعاظَمَ في العصر الصفوي كما يرى بعضٌ، وعليه فلا داعي لمحاربة أصل وجوده، كما لا مبرّر ثابتاً لنسبته للإسلام أو الحديث عن أعمال وطقوس دينية خاصّة به. والروايات فيه كلّها ضعيفة ومتعارضة وخاضعة للتجاذبات القومية والشعوبيّة التي تُضعف ـ عادةً ـ الوثوقَ بالرواية المؤيّدة والمعارضة معاً.

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ الأعمال التي تقام في النوروز اليوم أو كانت سابقاً، تنقسم إلى:

أ ـ ما هو في نفسه محبوب، مثل التهادي، وصلة الرحم، والإطعام، ولبس الثياب النظيفة وغير ذلك، فهذا مما دلّت النصوص عموماً على حُسنه، بلا خصوصيّة لهذا اليوم ونحوه.

ب ـ ما هو في نفسه محرّم أو مكروه، كمجالس الرقص أو الغناء المحرّمين، أو النوع غير المشروع لاختلاط الرجال بالنساء، ونحو ذلك.

ج ـ ما هو في نفسه غير محرّم ولا دلّ دليل على كراهته، لكنّه ذا بُعد طقسي، فهذا ليس محرّماً، لكنّه لا أصل له في الشرع، مثل ما يعرف بـ "سفره هفت سين"، وبرامج وقت تحويل السنّة، ورشّ الماء، وما يعرف بـ "سيزده بدر"، وغير ذلك، فهذا إذا انطبق عليه في مورد هنا أو هناك عنوان تحريمي أو غيره حرم أو استحبّ وهكذا، وإلا فالأصل فيه الإباحة ما دام لا ينسب للدين.

 

4 ـ عيد الغدير وعدم ثبوت استحباب عقد المؤاخاة فيه بعنوانه

يُتعارف بين الكثير من المؤمنين في عيد الغدير إجراء عقد المؤاخاة أو الأخوّة، والذي ذُكر فيه أن يضع المؤمن يده اليمنى على يُمنى أخيه المؤمن، ويقول: آخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله وأنبياءه والأئمّة المعصومين عليهم السلام على أنّي إن كنت من أهل الجنّة والشفاعة وأُذِن لي بأن أدخل الجنّة، لا أدخلها إلا وأنت معي، فيقول الآخر المؤمن: قبلت، فيقول: أسقطت عنك جميع حقوق الأخوّة ما خلا الشفاعة والدعاء والزيارة.

وقد نقل هذا العقدَ الشيخُ عباس القمي في "مفاتيح الجنان"، كما نقله المحدّث النوري في مستدرك الوسائل قائلاً بأنّه لم يعثر على هذا النصّ إلا في كتاب "زاد الفردوس" لبعض المتأخّرين، وأنّه في هذا الكتاب ـ أي زاد الفردوس ـ جاء بأنّه ينبغي في ضمن أعمال هذا اليوم إجراء عقد الأخوّة. ونُقل عن الفيض الكاشاني أنّه ذكر شيئاً من هذا القبيل. وقد اعتبر الشيخ كاشف الغطاء في كتابه "الفردوس الأعلى" أنّ المسألة مبنيّة على قاعدة التسامح، وذلك في جوابه عن سؤالٍ وُجّه إليه ينسب تداول هذا العقد بين من تمّ التعبير عنهم بـ "الأعاجم"، بما يوحي وكأنّه لم يكن متعارفاً بين العرب.

والصحيح أنّه لم يثبت استحباب عقد الأخوّة أو المؤاخاة هذا بعنوانه، فلو سلّمنا أنّه توجد رواية أصلاً حول الموضوع، وهو أوّل الكلام، فإنّها رواية متأخّرة جداً، مجهولة المصدر، معدومة السند، آحاديّة، هذا لو لم نوافق على بعض الإشكالات المتنيّة التي سُجّلت مؤخّراً على صيغة العقد من قبل بعض الأفاضل.